
أمير الصالح
على ارتفاع ٣٣ الف قدم دار حوار شائق عن الطقس وأحوال العباد في بعض الدول. ولجميل الحديث أفردت مقالًا بسيطًا عن الموضوع. تقلب الفصول الأربعة للطقس (صيف – ربيع – شتاء – خريف) له دلالات سواء على صعيد تبدل الأحوال أو تغير الأمور المحيطة بالإنسان، والنبات والجماد والأنهار، إلا أن تغيًر الطقس يؤكد حقيقة رمزية واحدة وهي: إن الإنسان النشط والوفي والمخلص والمثابر ونظيف اليد والقلب يبتكر ويطور ويعتمد وضع الحلول الفعالة والبنية الأساسية القوية والرصينة، ويعتمد الموارد الكافية وينفذ الأعمال بكل أمانة لتخطي كل التحديات الجوية المحيطة بالمكان الذي يعيش به، أو وِكل بالاهتمام به لينعم هو وأجيال بعد أجياله بعيش كريم وهانئ ومستقر في ذلك المنزل/ المدينة/ البيئة.
الطقس كما هو معلوم عامل رئيس في تشكيل يوميات الناس وأداء أعمالهم وإنجاز أهدافهم واختيار نوع ملابسهم وأحذيتهم وبلوغ طموحهم ورفع نكدهم وتحسين مستوى معيشتهم وحفظ ممتلكاتهم وصيانتها وجدولة تسويقهم ومنسوب التخزين لأغذيتهم وجدولة تنقلاتهم.
الإنسان ذلك المجهول
يمجد مؤلف كتاب ،” كتاب الإنسان ذلك المجهول” آليس كارل، بالرجل الأبيض الذي يقطن شمال الكرة الأرضية لأنه نشط وفعال ومتقد حيوية حتى في أعتى أنواع الطقس البارد جدًّا (صقيع). وبالمحصلة يلمز المؤلف أن سوى ذلك الإنسان لن يكون أكثر كفاءة، أو يكون الإنسان الآخر في المناطق الأخرى عليه أن يثبت العكس.
محفزات
في غالبية دول العالم، الإنسان الكسول عادة يلوم الأدوات والظروف وأحوال الطقس ليبرر فشله وتقاعسه وخسارته وتردده عن أداء أعماله؛ والإنسان النشط ذو العزيمة والإصرار يجدد حلوله ويطور ابتكاراته ليتخطى مصاعب الطبيعة ولا سيما تغيرات أحوال الطقس. من المؤسف أنه في بعض بقع العالم أن الرجل/المرأة الغيور والشهم والمبادر والمتحمس في إنجاز الأفضل في مشاريع / تجارة / وظيفته يتم خذلانه أو عدم إنصافه أو تهميشه بسبب الرشاوي والمحسوبيات. الحوكمة الصارمة وعدالة الفرص لأهل الكفاءات هي الأمل بعد الله في تجاوز ذاك كله وتقوية مشاعر الانتماء والاحتواء.
نجاح وفشل
عندما أشاهد صور ومقاطع فيديو عن عدة مدن بدول مختلفة تهطل بها ثلوج وأمطار غزيرة على مدى مواسم سنوات ولمدة أشهر ولا تحدث بها فياضانات ولا يُفقد أحد حياته، فإن ذلك الإنجاز محل إعجاب ومصدر فخر لسكان تلكم المدن ونشوة نجاح للمهندسين والمقاولين المنفذين وللإداريين في شعبة التخطيط الهندسي العمراني لتلكم المدن، والعكس صحيح.
فروقات أم مجاملات
كنت اتساءل ما الفرق بين الإنسان الإداري العادي في منطقة تغرق في رشقة مطر عابرة أو عاصفة غبار بسيطة، وبين إنسان إداري مخلص في منطقة تنزل عليها الثلوج الناعمة بمعدل نصف متر وأكثر باليوم الواحد، أو تبلغ درجة حرارة المدينة صيفًا ٥٥ درجة مؤية حيث الشمس اللاهبة وحياة الناس لا تتعطل بتلكم المدن، فترى الحياة في المدن السيئة هندسيًّا شبه مشلولة ومتوقفة ومعطلة، وفي المدن التي تمت هندستها بإخلاص نشطة ودؤوبة والناس ينجزون أعمالهم بسلاسة ويذهبون مقار أعمالهم بسهولة.
أين الخلل؟
هل المشكلة في إنجاز المشاريع العمرانية والحضرية هي في العقول للمكاتب الاستشارية؟ أو في القلوب المشرفة على المشروع؟ أو في نظافة اليد للمقاول؟ ام في محاباة المشرفين على المشاريع أم ماذا؟!
جرت العادة أن منفذي ومصممي المخططات الهندسية للمدن الحضرية يأخذون في الحسبان معدل هطول الأمطار/ الثلوج ودرجات حرارة الجو وسرعة الرياح واتجاهاتها السائدة على مدى خمسين أو ثمانين سنة أو أقصى ما يمكن الحؤول عليه من المعلومات عند التصميم للميول والجسور وسعة أنابيب تصريف مياه الأمطار/ الثلوج ولانتقاء نوع المواد المستخدمة في ترصيص الطرق. مع تطور علم البيانات والعلوم الهندسية التطبيقية وانتشار المعرفة عبر المؤتمرات، وانتشار استخدام التطبيقات، أضحى الحلول الهندسية أكثر ابتكارًا وإبداعًا في إدارة تقلبات الطقس. إذن أين الخلل في بعض تلكم المدن التي تعج بالفيضانات وانسداد التصريف في مناطق قارة آسيا وآفريقيا وشرق أوربا وأمريكا اللاتينية. هل هو العقل أو القلب أو اليد؟
على سبيل المثال، عند تساقط رشقات الثلج الصغيرة sleet في بعض مدن شمال الكرة الأرضية (النرويج/ كندا .. إلخ)، يلاحظ الإنسان المتابع للأحداث، استمرار الحياة كالمعتاد ولكن بوتيرة أكثر بطءا بعض الشيء. والواقع أن الحياة تدب في قلب الإنسان النشط وترى الناس تذهب إلى مقار عملها وتصل عبر شبكات المترو والقطارات والطرق السريعة.
هل الحلول الهندسية فعالة في مناطق دون مناطق؟
يطرح البعض أسئلة جوهرية، ومنها: إذا كان الإنفاق سخيًّا على مشاريع البنية الأساسية في كل البلدان التي تفتخر بأن لديها بنية أساسية، فلماذا تخفق الحلول في مكان وتنجح في مكان آخر؟!
هل الفرق هو نوع الإنسان وأسلوب إدارته وشفافية حوكمته وتنفيذه؟
هل هو نقاء قلب المنفذ ونظافة يد المستلم وحزم المشرف؟
ختامًا
بحمد الله نسمع أن دول عدة أطلقت لجان نزاهة لضمان عدم العبث بالأموال العامة. وبدأ بحمد الله مفهوم الحوكمة يطبق في مناطق عدة من العالم، وبدأ العالم يعي أهمية توظيف الكفاءات والوقوف ضد المحسوبيات. فهل نرى قريبًا وللأبد اختفاء مناظر غرق الشوارع والانسدادات في تصريفها؟




