أقلام

تأوّهات روح

السيد فاضل آل درويش

ورد عن الإمام الصادق (ع): (مَن ساء خُلُقه عذّب نفسه)(الكافي ج ٢ ص ٣٢١).

خطاب يلامس شِغاف النفس ولُبّ العقل الواعي فيما يرمي إليه من بيان خطورة هذه الآفة وهي سوء الخلق والتعامل القاسي والصعب مع الآخرين، فلعل هناك من يفهم ويستوعب حقيقة هذا المرض والنتائج الوخيمة المترتبة عليه، من خلال بيان الآثار السلبية الواقعة عليه ذاتًا وعينًا، فالحديث لا يُخبر فقط عن إساءة الخُلُق باعتبارها ذنبًا أخلاقيًّا أو سلوكًا مذمومًا اجتماعيًّا ينبغي التنزه عنه، لما يمثله من عثرة في العلاقات الاجتماعية وعامل هدم يسبب التوتر والكراهيات بين أفراد المجتمع، بل يكشف نتيجة حتمية مترتّبة عليها وهي تعذيب الإنسان لنفسه بنفسه وإلحاق الأذى الشديد بها دون أن يتقصّد أو يتعمّد ذلك، أي أنّ سوء الخلق لا ينتهي عند حدود إيذاء الآخرين أو تشويه صورة صاحبه في المجتمع ونصب صورة سيئة له، بل يرتدّ قبل ذلك وبعده على باطن الإنسان وروحه وضميره وراحته النفسية، فأي هناء وصفو عيش يلقاه وينعم به من دخل في دهاليز التعامل الشرِس وإيذاء الآخرين وتعنيفهم بأقذع الكلمات وأسوأ التعاملات، فسوء الخُلُق منظومة نفسية سلبية تشمل حدّة الطبع وسرعة الانفعال والفظاظة والأنانية في التعامل والحسد وسوء الظن ، هذه المنظومة السيئة حين تستقرّ في النفس تتحول إلى مصدر توتر مستمر وتحرم الإنسان من السكينة والطمأنينة، إذ تجعله يعيش حالة صراع مستمر مع ذاته قبل أن يصطدم بالمجتمع، ولذلك نجد التعبير البلاغي الجميل عن الإيذاء اللاحق بالفرد بسبب سوء أخلاقه بالتعذيب الذاتي، فهو حالة من القلق والتوتر الدائم الذي يلقي بظلاله على القلب فيصيبه بالقسوة والضيق.

ولو نظرنا من زاوية اجتماعية لمرض سوء الخُلُق سنجده يفقد الإنسان محبة الناس وثقتهم ويزرع حوله دائرة من النفور وتجنّب التعامل والتواصل الإيجابي معه، فيتحول صاحبه – من حيث لا يشعر – إلى شخص معزول يعيش وحدة نفسية واجتماعية خانقة لشعوره بأنه شخص غير مقبول في سلوكه وتبادل الأحاديث معه، وحين يُغلّق المجتمع أبوابه العاطفية والإنسانية في وجهه يجد نفسه محاطًا بجدران صنعها بيده، فيزداد قسوة ويزداد ألمًا فيتحقق معنى (عذّب نفسه) بصورة واضحة، والإنسان بطبيعته اجتماعي يحتاج إلى القبول والمودة وتبادل الأحاديث والحوارات وترسيخ مبدأ الاحترام والثقة المتبادل، فإذا حرم نفسه منها بسبب أخلاقه السيئة صار يعيش فراغًا داخليًّا أشدّ وطأة من أي ألم خارجي.

والحديث يدعو للتحلي بالأخلاق الحسنة فهي شرط للسعادة النفسية وبناء الذات المتوازنة، وكلما ارتقى الإنسان في تهذيب نفسه وتربيتها على الحلم و الصبر وحسن الظن والتواضع كلما ازداد استقرارًا داخليًّا وراحة نفسية.

الحديث يدعونا إلى مبدأ التغيّر الإيجابي والمعالجة السلوكية لتعاملنا، إذ البعض يتصور أنّ حدّة طبعه طبيعة لا تتغيّر بينما الروايات تؤكد قدرة الإنسان على تهذيب ملكاته وترويض غرائزه عبر المجاهدة والتدريب الروحي ومحاسبة النفس، وكل خطوة يخطوها الإنسان نحو تحسين خلقه هي بداية نحو تخفيف عذاب داخلي قد يدمّر – في نهاية الأمر – مستقبله في الدارين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى