أقلام

عندما يصمت القلم

فاطمة الفضل

تأملات كاتبة في التوقّف المؤقت عن الكتابة ومحاولة العودة

كنتُ أكتب، لا لأن لديّ ما أقوله فقط، بل لأن الكتابة كانت طريقتي في التنفّس. كانت المساحة الوحيدة التي أستطيع فيها أن أكون كما أنا، بلا أقنعة ولا تبرير. ثم جاء الصمت؛ ثقيلًا ومباغتًا، فتوقّفت الكلمات، وكأن العقل أُغلق فجأة، فلا فكرة تطرق، ولا جملة تتشكّل، ولا يد تجرؤ على الإمساك بالقلم.

حاولتُ أن أكتب. جلست طويلًا أمام الورق، أحدّق في بياضه كأنه يطالبني بما لم أعد أملكه. بقيت الصفحة فارغة، وبقي النص عالقًا في الداخل، يضغط ولا يخرج. عندها تبيّن لي أن الصمت ليس فراغًا كما يُظن، بل امتلاءٌ مُرهق؛ أفكار تتزاحم بلا ترتيب، ومشاعر تبحث عن لغة فلا تجدها.

في تلك المرحلة، خالجني شعور بأنني فقدت قدرتي على التفكير، وكأن الكتابة خانتني أو خنتها. غير أن الحقيقة التي تكشّفت ببطء، أن هذا التوقّف لم يكن موتًا للإبداع، بل إرهاقًا منه. فحتى الروح التي تعطي كثيرًا، تحتاج أحيانًا إلى انسحابٍ مؤقّت لتلتقط أنفاسها.

علّمني الصمت أن الكاتب ليس آلة تعمل بلا انقطاع، وأن الإبداع لا يُستدعى قسرًا. نحتاج أحيانًا أن نصمت لنفهم، وأن نتوقّف لنشعر، وأن نبتعد قليلًا لنشتاق للكلمة من جديد. لم يكن الصمت غيابًا عن الكتابة، بقدر ما كان كتابةً صامتة تتكوّن في الداخل، ببطء وعمق.

واليوم، تأتي العودة مختلفة. ليست عودة واثقة ولا مكتملة، بل عودة حذرة، بقلب مفتوح لا يبحث عن نصّ كامل ولا فكرة عظيمة، بل عن صدق بسيط. عودة تبدأ بجملة واحدة، بسطر مرتبك، بمحاولة لا تخجل من ضعفها.

فالكتابة، في جوهرها، ليست لحظة كمال، بل فعل استمرار. والقلم مهما طال صمته، لا ينسى طريقه إلى العودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى