أقلام

كورونا تغيّر وجه العالم

رباب حسين النمر

بدأت صغيرة كخليّة، ومارست فن الانقسام الخلوي حتى تشعّبت وكبرت، وكبرت معها كل مظاهرها التي أخذت بالتمدد والتوسع في شبكة أخطبوطية شاملة.

كانت مقتصرة على (أهل الفريج) حين ينصبون بين البيوت أثافي الطبخ، ويحملون قدراً كبيراً بأهازيجهم وأناشيدهم، ويذبحون شاة، ثم يسلخونها، ويطبخونها على شرف الفرح والمشاركة.
كان الأصدقاء يصحبون(المعرس) إلى عيون الماء، ويلاحقونه (بالمدعچة)و(الليفة)، وتراشقهم بالماء مزاحاً وفرحاً، وبعذوبة الأناشيد الموجهة للفرح والابتهاج بالعرس.

ويجتمعن الصويحبات في أحد المنازل يزيّنون يديها ورجليها بالخضاب، ونقوش الحنّاء، ويعقصون شعرها جدائل ويغرسون أوراق الريحان الأخضر في جدائلها، يلبسونها(شجايج) و(حلاق)، ويعطرونها(بماء الورد والعود) ويلفونها في سجادة تحملها نسوة أربعة إلى مخدع الزوجية.

هكذا كان العرس بسيطاً في مظاهرة، ولن يقف حجر عثرة(سبع ليالي وليلتين وليلة) أمام الفرح الصادق، والمشاركة النبيلة من الجيرة والأهلون، الذين تكفيهم قبضة يد من (النقل أو الحب الشمسي)

ومع تعقّد مظاهر الحياة، وميلها نحو(ألهاكم التكاثر) أخذت مظاهر الزواج تسير في خط تصاعدي نحو البذخ والتكلف، وتتزيّا بزيّ براق ، وراح الناس يتبارون في حجز أرقى صالات الأفراح، وتوجيه الدعوة للمئات، وإحاطة ليلة العمر بشبكة من التكاليف الثانوية( استوديو، كوشة، زفة، فرقة، استقبال، ذبائح كثيره، بوفيه،زفّات، توزيعات، مطربات، مؤثرات، آلات موسيقية) وكل حفلة عرس تتفوق على سابقتها بذخاً واستعراضاً واستهلاكاً، وإسرافاً.
لم يصمت خطباء الجمعة والمنبر الحسيني عن التصدي لهذه الظاهرة بشتى الطرق، وبث الوعي ورأي الشرع والعقل فيها، ولكن كأنهم ينفخون الهواء في قربة مثقوبة!
فكلما علا صوتهم ازداد البذخ ضراوة!

وكلما تكثفت خطبهم، تميل حفلات الأعراس إلى اللهاث وراء المظاهر لهاثاً مبالغاً فيه.

إلى أن توقفت الحفلات كلياً في 2020 مع أحداث الأزمة العالمية(كورونا كوفيد19) التي تقضي بالابتعاد عن التجمعات البشرية بكل أنواعها لئلا ينتقل الفايروس، ومع توقف التجمعات توقفت حفلات الأعراس كما توقف ما سواها من التجمعات.

وليس معنى ذلك توقف الحياة، أوتوقف الحب، وتوقف عقود القِران.

فقد سجلت محافظة ظهران الجنوب بعسير أقصر مدة مراسم زواج في المملكة، إذ لم تستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة، وغابت عن الزواج جميع طقوس احتفالات الزواج التي اشتهرت بها منطقة عسير، ولا سيما مع الحرص على تنفيذ الإجراءات الاحترازية بشأن منع تفشي كورونا.
فكانت المراسم مختصرةجدا، فقد كان العريس وشقيق العروس هما الحاضران الوحيدان للزواج، وأقيمت مأدبة الزواج لمدة ربع ساعة.

وأصر عروسان من مدينة غزة على استكمال مراسم زواجهما بالرغم من الحجر المنزلي، وخلو الشارع من المارة ، فارتدى العروسان الكمامات ورفضا المصافحة.

وفي (أنونكا) وسط إيطاليا تزوج ميركو ميليلا وأنطونيتا بيفيلاكا بحضور موظف الأحوال الشخصية، وشاهدي الزواج، و مصوّر،وقد وضع الجميع القفازات
والأقنعة الواقية من فايروس كورونا، وفق ما ذكرت وكالة (أجي) للأنباء.
وهذا يدعونا للتساؤل: وماذا بعد زمن كورونا؟
كم من الأوضاع الاجتماعية بصدد التصحيح؟ عل ثمة مراجعات على كافة الأصعدة ستحدث لنعيش حياة أكثر وعياً، فتصحح كورونا ما عجز الناس عن تصحيحه في عشرات الأعوام؟
هل ستطبق فكرة الزواج المختصر وغير المكلف بعد أزمة كورونا؟

سؤال ستجيب عنه الأيام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى