المستمسك الرمضاني (٥) ذو حظ عظيم
السيد فاضل آل درويش
مشجب يعلق عليه البعض تعثره وأخطاءه والنكسات التي يواجهها في مختلف جوانب حياته وهو (الحظ)، فهو يؤمن بأن مسألة النجاح أو الإخفاق لا تخضع لمعايير علمية ومهنية واضحة وترتبط بتوظيف قدراته وإمكاناته في طريق تحقيق أهدافه وتطلعاته، بل ينظر للأمر من زاوية بعيدة تشير إلى أن البعض محظوظ مهما كانت الظروف والإمكانات المتاحة، بينما يسير البعض في طريق السقوط والإخفاق مهما بذل من جهود لتحصيل آماله، وهذه الفكرة بالتأكيد لها مردودات سلبية على تفكيره وهمته حيث يصاب بالإحباط والتعاجز.
والحقيقة أن الحظوظ ليست بهذا التصور والتوهم بل هي مفهوم يشير إلى المسلك والمنهج الذي يسير عليه الفرد لتحقيق تطلعاته على أرض الواقع، فهناك من درس وتمعن في الطريق الذي يرسمه للسير عليه في طريق تكامله وتوظيف قدراته المنوحة له من الله تعالى، فهو يعرف جيدا بأن إرادة الإنسان الصلبة لا يمكن لها أن تنكسر ولا أن تطيح بها الظروف الحياتية الصعبة، فليس هناك من قوة يمكنها أن تقف حجر عثرة في وجه أهدافه وخططه وتسلبه جهودًا عمل عليها كثيرًا، والسقوط والإخفاق في إحدى المراحل لا يعني النهاية أبدًا ولا تعني صرف وجهه نحو الوراء خالي الوفاض، بل الأمر يدخل في مفهوم محطات التحدي والاختبار والمواجهة مع قدراته وطاقاته، ولن يصل إلى مراده إلا من خلال التحلي بضبط النفس والوعي وتحمل المتاعب حتى يظفر بمراده.
وعندما ننظر إلى الشخصيات الناجحة وما حققوه في ميدان الكفاح والمثابرة، لا بد أن ننظر إلى تلك المسيرة المشرفة والطريقة المجدة التي سلكوها حتى وصلوا إلى مراداتهم، فبالتأكيد أن الطريق لم يكن مفروشًا بالرياحين ولم يكن خاليًا من محطات تعثر وإخفاق ومواجهة صعوبات، وفي المقابل فإنها تكشف عن إرادات وشخصيات رسمت لها أهدافًا وفق سقف إمكاناتهم، وخططوا لكل مرحلة من مراحل حياتهم وعملوا على اقتناص الفرص المناسبة لمهاراتهم التي اكتشفوها وطوروها ودخلوا الكثير من الدورات التدريبية، كما أن تجارب الآخرين كانت ماثلة أمام أعينهم فدرسوها واستوعبوها وحولوها إلى ومضات تنير طريق الإنجاز.
المكانة المرموقة والعالية لا تأتي من فراغ أو عشوائية في الخطوات أو عدم معرفة بالنتائج المترتبة على كل ما يقدم عليه، بل هو بناء مرصوص يضيف إليه بشكل مستمر إنجازات وتقدم يظهر مدى ما يمتلكه من قدرات وإبداعات.
حياة الأحلام الوهمية والسقوف العالية من الأهداف تنتهي سريعًا بالسقوط المدوي على أرض الواقع كمن أراد أن يطير بدون جناحين، فالحياة همة عالية وعمل مثابر واستفادة من تجارب الآخرين، والاصطدام بالعراقيل والعثرات ليس لها إلا معنى واحد وهو تحريك الفكر الواعي والاستفادة القصوى من القدرات لمواجهتها وتجاوزها بأقل الخسائر.