أقلام

الإمام الصادق عليه السلام: شمسٌ أُطفئت جسدًا وبقيت أنوارًا

أحمد الطويل

حين تتحدث العظمة فاستعد للانبهار!

في قلب المدينة المنورة، وفي السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 83 هـ، ولد سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام: جعفر بن محمد بن علي، المعروف بـ الصادق، المكنّى بـ”أبي عبد الله”، وتربّى في كنف نورين: أباه الإمام الباقر، وجده الإمام زين العابدين عليهما السلام.

لم يكن لقب “الصادق” مجرد صفة، بل بشارة نبوية؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “ويخرج الله من صُلبه، أي صُلب محمد الباقر كلمة الحق، ولسان الصدق، يقال له جعفر، صادق في قوله وفعله، الطاعن عليه كالطاعن عليّ، والرادّ عليه كالرادّ عليّ.”

إمامة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود

استمرت إمامته المباركة 34 سنة، من سنة 114 هـ إلى سنة 148 هـ، وهي من أطول فترات الإمامة بعد الإمام علي عليه السلام. كانت فترةً مليئة بالتحولات السياسية والاضطرابات، لكنها كانت أيضًا فرصة لبناء نهضة علمية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.

مدرسة أذهلت العقول وشهادات من الغرب

يقول المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون، الذي عُرف باهتمامه العميق بالإسلام وتاريخه:

“إن مدرسة الإمام جعفر الصادق كانت أول جامعة إسلامية حقيقية، جمعت بين العقل والنقل، بين العلم والعمل.”

في مدرسته تخرّج أكثر من 4000 تلميذ، من أبرزهم: جابر بن حيان: أبو الكيمياء الحديثة. وهشام بن الحكم: رائد الفكر الكلامي. و كذالك المفضل بن عمر: صاحب روايات فلسفية وروحية عميقة.

وفي زمنٍ كان العلماء يُطاردون، والكتب تُحرق، قال الإمام (ع): “اكتبوا، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا.” لتكون النتيجة: إرث ضخم من العلوم وصلنا عبر “الأصول الأربعمائة”.

سباق مع الزمن سبق به كوبرنيكوس!

قبل أن يخرج العالم البولندي نيكولاس كوبرنيكوس بنظريته عن مركزية الشمس في القرن السادس عشر الميلادي، قال الإمام الصادق عليه السلام: “إن الأرض تدور حول نفسها، والنجوم ثابتة في أفلاكها.” وهذا قبل كوبرنيكوس بـ800 عام!

وكان يقول في الطب ما سبق به ابن سينا، وفي الكيمياء ما علّمه لتلميذه جابر، وفي الفلك والرياضيات ما حيّر حتى فلاسفة الغرب.

لحظة الرحيل وجرح لا يندمل

في يوم الخامس والعشرين من شوال سنة 148 هـ، دسّ إليه المنصور العباسي السمّ، فاستُشهد في المدينة المنورة، عن عمرٍ ناهز 65 عامًا.

لكن جسده الذي أُطفئ، أضاءت بعده أرواحٌ، وامتدت من مدرسته ثورات فكرية وأخلاقية لا تزال تنير الطريق.

ماذا بعد الإمام؟

ترك لنا عليه السلام: منهجًا علميًا متكاملاً.

مدرسة فكرية حرّة.

أخلاقًا تسع الدنيا.

والأهم: وصية خالدة تقول:

“كونوا لنا زينًا، ولا تكونوا علينا شينًا… أحبّونا لله، وكونوا أوفياء للحق.”

خلاصة ومسؤولية

لسنا أمام سيرة رجل فقط، بل أمام ثورة فكرية وأخلاقية وعلمية. أمام إمامٍ: سابق عصره بقرون. بنى أمةً من العقول، وأسس لنهجٍ لا يموت.

فهل نحن أوفياء لهذه النعمة؟

اللهم اجعلنا مع الصادقين وارزقنا نهج الإمام الصادق عليه السلام في علمه، وصبره، وصدقه ولا تفصلنا عن نوره لا في الدنيا ولا في الآخرة.

اللهم احشرنا في زمرة محمد وآل محمد، وارزقنا شفاعة جعفر بن محمد، واجعلنا من السائرين على هديه إنك سميع مجيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى