أقلام

لم يعد بالإمكان

السيد فاضل آل درويش

بعد تفكير دقيق ومعمق قد يتوقف الإنسان عن اتخاذ القرار المناسب والحاسم، وهذا التوقف لا ينشأ من حالة تشوش وحيرة فكرية أو خفاء معالم الحل و المعالجة، بل هو نابع من رؤية ثاقبة وبصيرة واضحة وصلت إلى مجموعة من النتائج والآثار السلبية، فالخطوة القادمة تحمل في طياتها خسائر لا يمكن تحملها والأصوب التوقف عنها، وهذا ما يرسم معالم طريق التوقف بعنوان التوازنات التي تمنعنا من بعض الخطوات والقرارات والتريث قبل تنفيذها، فالظروف المحيطة ومراعاة المصالحة والعلاقات المتنوعة والمشتركة تفرض واقعًا مختلفًا عن الخطى المتسرّعة، فالتوقف عن بعض الخطوات ليس بدليل على الضعف ولا يشفّ عن معاناة بسبب الحيرة والتردد أو الخوف من المواجهة والتقدم في ساحة مواجهة التحديات وحلحلة الأزمات، فالنظر في العواقب والتدقيق في الآثار المترتبة قد يوقفنا عن اتخاذ قرارات لا خلاف في عقلائيتها، ولكن الآثار المترتبة قد تربك حساباته وتوقعه في مجموعة من المشاكل ويعقّد مشهد علاقاته، فالتهوّر في معناه الشامل لا يعني بالضرورة التسرّع والإقدام على خطوات غير مدروسة، بل قد يكون ناجمًا عن رؤية قاصرة لا تعير الاهتمام بدراسة المواقف وردات الفعل الناتجة عنه من جميع الجهات، فهناك من لا ينظر إلا إلى ما فوق رجليه ولا يمد بصره إلى النتائج المستقبلية التي تحوّل المشهد من فرحة عارمة إلى خيبة وندم على قرار متسرّع، فالقوة العقلية المتجلي منها الفهم و الإدراك للمعطيات والظروف والحلول والنتائج تضبط النفس وتتحكّم في الجانب الوجداني بشكل محكم، فكم من إنسان اتخذ قرارًا مصيريًا على مستوى علاقاته الزوجية أو الدراسية أو المهنية ناظرًا فيه إلى نتائج شخصية لم يراعِ فيها الجوانب المتعددة، فندم بعد ذلك كثيرًا بسبب ظهور نتائج سلبية لم تخطر على باله، كما أنه أهمل طلب النصيحة واستشراف المستقبل بعين جمعية تعينه على اتخاذ القرار ببصيرة واضحة.

هل يلعب الوقت المناسب دورًا محوريًا ومؤثرًا في اتخاذ القرارات المؤثرة والمثمرة؟

دون شك، إن التريث واستصباح الوقت المثمر عامل مهم، فكما أن جني الثمرة واستعجال قطافها يصيبنا بالخسارة، فكذلك هي القرارات ونضوجها وبلوغها أوان القطف والقطع بها يحرفها عن طريق الصوابية الاستعجال في اتخاذها، فقد تغيب عن بعض المعلومات الكاشفة عن الصورة الشاملة فنحتاج إلى بعض الوقت لإنضاج الفكرة.

والأهداف الآنية نرغب في تحقيقها واقتناص الفرصة بتحقق الظروف المؤاتية لقطفها، ولكن النتيجة المؤكدة بعد دراسة الواقع وتحليل المخرجات نجد فيها الخسائر، فنصرف النظر عن اتخاذ القرار بفعلها فلا نخضع لعواطفنا التي تدغدغ مشاعرنا وتؤزنا نحو هذا الفعل، فالقرارات الحكيمة والوازنة لا تُتخذ بناء على ومضة لحظية قد تُلحق بنا الأضرار الجسيمة بعد فترة وجيزة، بل هي نتاج الفهم والتدقيق والبحث الشامل وربط المشاهد والظروف والخيوط المؤثرة في الواقع، فإدارة المواقف الحياتية ليس بتلك السهولة في اتخاذ القرار المناسب لها، والخيارات والاحتمالات المتجهة لها معالجات تلك المشكلة أو الهدف متعددة ولا بد من دراستها بعناية، وهذا العمق في التفكير من مؤشرات النضج في شخصية الإنسان وقدرته على مواجهة مختلف الأزمات الحياتية، فالتروي في اتخاذ القرار ودراسته بنحو شامل لجميع الاحتمالات يحقق توازنًا بين العوامل المؤثرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى