أقلام

فقع بالحلّوم

ياسر بوصالح

في رمضان المنصرم، كنت مدعوًا إلى ديوانية نهارية، حيث كنا نتبادل أطراف الحديث مع الصائمين في أجواء ودية. لكن سرعان ما تحوّل المجلس إلى ساحة نقاش محتدم حول مسألة ذات أهمية غذائية قصوى: أيهما أشهى، مرقة الفقع «الكمأة» أم كبسة الفقع؟!

احتدم الجدل وتصاعد، حتى اضطر أحد المتحاورين للاستعانة برأي والدته، بينما لجأ الآخر إلى زوجته، وكأن الفصل في هذه القضية يستلزم استشارة أهل الخبرة في الطهو والمذاقات! ومع تصاعد وتيرة النقاش، حتى أني خشيت أن يصل الأمر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، بل خيّل إليّ أن الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، قد يُضطر إلى إصدار بيان رسمي يدعو فيه الأطراف إلى ضبط النفس وعدم تأجيج النزاع الغذائي!

بينما كنت أتابع هذا المشهد الملحمي، طافت مخيلتي في فضاء التأمل، مستحضرة كلمات الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله، حين كان يتساءل: لو قُدّر له دخول الجنة، هل سيكون هناك بطّالًا، خالي الذهن من الأشغال؟ وهل ستتاح له فرصة القراءة والكتابة؟ ثم يجيب نفسه مطمئنًا: نعم، ففيها ما تلذّ الأعين وتشتهيه الأنفس، حتى لو اشتهت العلم والمعرفة. لكن السؤال يبقى: لمن أكتب وأهل الجنة جميعهم في غاية الكمال؟

فابتسمتُ عند هذه الفكرة، وقارنتُ بين أمنية الشيخ مغنية الراقية وبين ذلك الشيخ الذي فسر قوله تعالى ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ بأن شغلهم افتضاض العذارى! تأملتُ الفارق بين من يرى الجنة فضاءً للفكر والمعرفة، ومن يتصورها مجرد مائدة لا تنتهي من الملذات الحسية.

ثم خطرت لي فكرة أخرى: تُرى، لو كان الشيخ مغنية حاضرًا في هذا المجلس، هل كان سيمزق صايته غضبًا على الشباب الذين يقضون وقتهم في هذا الشهر الفضيل – الذي أيامه ولياليه وساعاته هي الأفضل – في حديث لا يُغني ولا يُسمن من جوع؟ لكنني عدتُ لأقول: أيّ ذنبٍ ارتكبه هؤلاء؟ أليس من حقّهم تبادل الأحاديث الودية؟ ربما مطالبتهم بذهنية الشيخ مغنية مرهقة، فهو صاحب فكرٍ راقٍ ومسؤولية ثقيلة.

لكنني تذكّرت موعظة النبي ﷺ لأبي ذر «كن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك» حيث استخدم النبي مفردة ”الشحّ“، التي تعني أقصى درجات الحرص والبخل، متسائلًا: إن كان الحرص على العمر مطلوبًا في كل الأيام، فكيف بثواني الشهر الكريم، فضلاً عن أيامه؟

وبينما كنت غارقًا في هذه التأملات، اشتد عليّ جوع الصيام، ولم أتمالك نفسي، فصرخت قاطعًا لنزاعهم: ”يا شباب، ما رأيكم لو جربتم الفقع بالحلّوم؟ أليس طبقًا سيكسر الدنيا؟ وسيكون الترند القادم؟!“

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى