ممارسة عادة الإمتنان في الأوقات العصيبة تعود بالنفع على الممتن نفسه

المترجم : عدنان أحمد الحاجي
بقلم مونيكا بارتليت، برفسور علم النفس، جامعة غونزاغا
لقد كُتب الكثير عن الامتنان خلال العقدين الماضيين (1) وما ينبغي علينا ممارسته تجاه من أسدى لنا من معروفًا مهما كان بسيطًا. هناك عدة نصائح لتدوين الملاحظات اليومية [ومنها الأفكار والمشاعر والخبرات والتأملات التي تُدون بشكل منتظم في مذكرة مخصصة أو دفتر ملاحظات أو منصة رقمية (2)] وعدد كبير من خيارات دفاتر مذكرات ومفكرات تباع في القرطاسيات. وقد أشارت الدراسات باستمرار إلى الفوائد الصحية وخلق علاقات اجتماعية وثيقة للتعود على عملية الامتنان البسيطة والمجدية وإدراك مردوداته الأيجابية.
يواجه الناس أوقاتًا عصيبة يعانون فيها من الضغوط النفسية، ومنها الأوضاع المالية والمشكلات الاجتماعية وغيرها من الأحداث الحالية على أكثر من صعيد.
كيف إذن بإمكاننا أن نمارس عادة الامتنان خلال مثل هذه الفترات؟
أنا باحثة في علم النفس الاجتماعي أقوم على إدارة مختبر الانفعالات الإيجابية (3) والسلوك الاجتماعي (4) في جامعة غونزاغا، ولاية واشنطون، الولايات المتحدة. أدرِّس مواد تركز على المرونة النفسية [وهي القدرة على مواجهة الشدائد والتكيف وإعادة التوازن (5)] والازدهار البشري [أي المشاعر الإيجابية والأداء النفسي والاجتماعي (6)]. لقد عملت على دراسات تناولت الامتنان، كما درَّست مادة الامتنان لطلاب الجامعة لمدة 18 سنة.
في أفضل الأوقات، قد يتطلب الوعي وملاحظة الإيجابية جهدًا أكثر من ملاحظة السلبية، ناهيك عن أوقات الضائقة الشديدة (7) [أي في حال عدم القدرة على التكيف مع الضغوط النفسية]. بيد أن هناك طريقتين بسيطتين للعمل على الوعي.
الامتنان ليست دائمًا عملية سهلة. بشكل عام، المعلومات السلبية تلفت الانتباه بسهولة أكثر من المعلومات الإيجابية. هذا التباين قوي لدرجة أنه يُعرف بـ التحيز إلى السلبية [وهي أن تأثير الأفكار والمشاعر والانفعالات السلبية أقوى من تلك الإيجابية (8)]. يحاول الباحثون برهنة أن عملية الامتنان تعتبر تكيفًا تطوريًا: كون الشخص متيقظًا أو متنبهًا للأضرار التي قد تلحق به في الحياة تُعتبر عملية ضرورية للبقاء على قيد الحياة.
ولكن هذا يعني أن ملاحظة لطف الآخرين أو الجمال الذي قد تضفيه الحياة قد تمر دون أن يلاحظها أحد أو قد تُنسى ولا تُذكر في النهاية. وهذه من شأنها أن تعود بالضرر علينا.
يُمارس الامتنان كإنفعالات إيجابية (3). وينبثق من ملاحظة مساعدة الأصدقاء أو أفراد العائلة أو الغرباء – سواء بالدعم المالي أو بالدعم العاطفي أو بكليهما. يركز الامتنان، بحكم التعريف، على إيجابيات الآخرين (لا على سلبياتهم) (9).
عندما نشعر بالامتنان تجاه شيء ما أو شخص ما، يمكن أن يزيد من الهناء النفسي والسعادة (10) والرضا عن العلاقة، وكذلك الحد من الاكتئاب (11).
وبالتالي، قد يساعد ذلك في التغلب على التحيز إلى السلبية وذلك بمساعدتنا في التركيز على إيجابيات الآخرين وما يسدوه لنا من معروف وأعمال طيبة بشكل يومي – هذا المعروف الذي قد نغفل عنه ولا نعيره اهتمامًا حين نكون في أفضل أحوالنا، فكيف لو كنا في أسوأ أحوالنا.
كيف يُمارَس الامتنان
أثبتت الدراسات أن بعض الناس بطبيعتهم أكثر امتنانًا من غيرهم (12). ولكن من الواضح أيضا أن الامتنان يمكن التعود عليه، وذلك بالممارسة. بإمكان الناس تحسين قدرتهم على ملاحظة هذه الانفعالات الإيجابية الصادرة من غيرهم أو حتى من أنفسهم وتقديرها والامتنان لها.
إحدى الطرق للقيام بذلك هو محاولة تدوين يوميات للحالات التي تستدعي الامتنان. أو إذا كانت فكرة تدوين اليوميات عملية صعبة ومملة، بدلًا أن تسميها تدوين يوميات، سمها إعداد قائمة يومية بالأشياء التي تستحق الامتنان. لو حاولت أن تعمل هذه القائمة ولن تعجبك، اتركها، واستعمل الطريقة التالية:
الهدف من تصميم قوائم الامتنان هو تكوين عادة لتذكر الأشياء ومخرجاتها الإيجابية في حياتك ذلك اليوم، والتي يرجع الفضل فيها إلى الآخر، وتستدعي منك الامتنان له، بغض النظر عن بساطتها. التدوين اليومي لهذه التجارب الإيجابية التي يرجع الفضل فيها إلى آخرين قد يجعل هذه الأحداث الإيجابية ماثلة أمام ناظريك لا تنساها بنهاية ذلك اليوم – وبالتالي من شأن ذلك أن يعزز حالة الامتنان وفوائده ومردوداته الإيجابية (13).
بالرغم من أن الأخبار السلبية – “كانخفاض سوق الأسهم!” “وتأثير التعرفة الجمركية على الاستقرار المالي؟” – تلفت الانتباه وتستدعي الاهتمام كما هو واضح، لكن الهدف من إعداد قائمة بالامتنان هو المساعدة في تسليط الضوء على إيجابيات ذلك اليوم بحيث لا تُنسى أو ُتتجاهل مع نهاية ذلك اليوم.
الأخبار السلبية قد لا نستحق الإلتفات أو الاهتمام، أما الأخبار الإيجابية فقد تستحق ذلك.
الطريقة الثانية لممارسة عادة الامتنان هي التعبير عن هذا الامتنان للآخرين. يمكن أن يكون عبر كتابة رسالة امتنان وإرسالها للشخص الذي أسدى لك معروفًا وكان له تأثير إيجابي في حياتك (10).
عندما يمارس طلابي هذا الطريقة، فإنه يؤدي غالبًا إلى لمسة تفاعلية عاطفية وإثارة طيبة للمشاعر. على سبيل المثال، غالبًا ما يكتب طلاب الجامعة إلى مرشدي مدارسهم في الثانوية العامة صنيعهم الجميل السابق في حياتهم لطلابهم، مما يؤثر إيجابًا في المرشدين ويغمرهم بمشاعر عاطفية تذرف لها دموعهم، أمارةً على تأثير الامتنان في هؤلاء المرشدين ووقعه الايجابي على الطلاب أنفسهم. التعبير عن الامتنان في أماكن العمل يمكن أن يعزز شعور الموظفين بقيمتهم الاجتماعية.
في عالم قد يسوده الجفاف العاطفي، رسالة امتنان قد لا تساعد كاتبها فقط على الإعتراف بالأعمال الطيبة التي أسداها الآخرون له ، ولكن أيضًا من شأنها أن تخبر الآخرين أنهم بذلك العمل الطيب قد أحدثوا فرقًا جميلًا في حياة غيرهم.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://guilfordjournals.com/doi/10.1521/jscp.2000.19.1.56
2- https://dayoneapp.com/blog/journaling/
3- “الانفعالات الإيجابية هي الاستجابات الموفقية القائمة على البهجة والاستمتاع، وتتراوح ما بين الاهتمام والرضا إلى الحب والفرح، وينظر إلى الانفعالات الإيجابية كعلامات على التنعم العام أو السعادة العامة للبشر، ولكنها في نفس الوقت تحسن من الارتقاء والنجاح في المستقبل. كما تصنف الانفعالات الإيجابية إلى الفرح، أو السرور، والعرفان، والامتنان، والسكينة، والاهتمام، والأمل، والفخر، والاعتزاز، والإيثار، والرضا، والحب، والاعتزاز.” مقتبس بتصرف من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.mohdedu.com/2025/01/positive-emotions.html
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/سلوك_اجتماعي
5- https://www.meemapps.com/term/resilience
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/ازدهار_(علم_النفس)
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/ضائقة_(طب)
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/انحياز_للسلبية
9- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/0022-3514.84.2.377
10- https://ggsc.berkeley.edu/images/uploads/GGSC-JTF_White_Paper-Gratitude-FINAL.pdf
11- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/0003-066X.60.5.410
12- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/0022-3514.82.1.112
13- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/12585811/
المصدر الرئيس
https://theconversation.com/gratitude-comes-with-benefits-a-social-psychologist-explains-how-to-practice-it-when-times-are-stressful-250882