كيف يواجه الناس المعضلات التي تتطلب قرارات أخلاقية

المترجم : عدنان أحمد الحاجي
تفيد أدلة علم الأعصاب بأن الإشارات الجسدية الداخلية [أو الحس الداخلي (1)] قد تؤثر في حدس الناس عما يتوقعه الآخرون في حالة المعضلات الأخلاقية [المعضلة الأخلاقية هي التناقض الحاصل بين أمرين أخلاقيين يقتضي اتباع أحدهما انتهاك أو التخلي عن الآخر (2)].
مواءمة قراراتنا مع معايير الناس من حولنا وتوقعاتهم السائدة تشكل جانبًا أساسيًا من عملية اتخاذنا قراراتنا الأخلاقية. عند مواجهة القيم الأخلاقية المتناقضة، فإن أحد الأساليب التكيفية (التوفيقية) هو الاعتماد على ميلنا إلى الاستجابة الانفعالية (العاطفية) العفوية والمباشرة (الفورية) في كثير من الأحيان تجاه المواقف التي تتطلب قرارت أخلاقية. بالرغم من أنه كانت هناك تكهنات نظرية عن العلاقة بين الميل إلى الاستجابة الانفعالية العفوية المباشرة وإدراك الفرد للإشارات الاستبطانية (أي التأمل الباطني المنصب على ما يجري في عالم الشعور (3)). تتناول هذه الدراسة العلاقة بين ميل الناس إلى الاستجابة العفوية والعاطفية في المعضلات التي تتطلب قرارات أخلاقية وبين الحس الداخلي، والتي قيست باستخدام التقارير الذاتية التي بعثها المشاركون في الدراسة، بينت تجربتان مستقلتان أن الحس الداخلي الدقيق لدى المشاركين من الذكور والإناث مرتبط بميلهم إلى الاستجابة الانفعالية العفوية والمباشرة في كثير من الأحيان تجاه المواقف التي تتطلب قرارت أخلاقية تتوافق مع إجماع المجموعة / الجماعة. تقدم نتائج هذه الدراسة دليلاً تجريبياً على الآلية العصبية التي تكمن وراء العلاقة بين الحس الداخلي وميل الناس إلى الاستجابة الانفعالية العفوية والمباشرة (الفورية) تجاه المواقف التي تتطلب قرارت أخلاقية تتوافق مع إجماع الجماعة.
يقيِّم الناس عادة ميلهم إلى الاستجابة العفوية والعاطفية في المعضلات وميل الناس الآخرين قبل اتخاذ قرارات أخلاقية. لقد وضع الباحثون نظريات حول كيف يواجه الناس المعضلات الأخلاقية، لكن البيانات التجريبية غير متوفرة. في ورقة بحثية جديدة (4) نُشرت في مجلة علم الأعصاب Jneurosci، قدم جو يونغ كيم JuYoung Kim وهاكجين كيم Hackjin Kim من جامعة كوريا ما يزعمان أنها أول بيانات تجريبية تتناول مسألة كيف يواجه الناس المعضلات الأخلاقية التي تتطلب اتخاذ قرارات.
قيّم الباحثون إحساس المشاركين في الدراسة بإشاراتهم الجسدية (إحساسهم الداخلي) ومدى توافقها مع ميل الأخرين من جماعتهم المجهول إلى الاستجابة الفورية والعاطفية في المعضلات التي تتطلب اتخاذ قرارات أخلاقية، في سيناريوهات مختلفة [التفضيلات الأخلاقية للجماعة أو للمجموعة تعني القيم والمعتقدات الأخلاقية المتعارف عليها أو المشتركة بين أعضائها، والتي تؤثر في مدى إدراك هؤلاء الأعضاء وتفسيراتهم وتصرفاتهم حيال القضايا الأخلاقية. تؤثر هذه التفضيلات في السلوك الفردي لأعضائها وديناميكيات المجموعة أو الجماعة، وقد تؤدي حتى إلى صراعات أو حروب في حال وجود أخلاقيات ووجهات نظر متباينة بين المجموعات أو الجماعات (5)].
الإحساس بالحالات الداخلية (الحس الداخلي) قيس باستخدام تقارير المشاركين الذاتية عنها، كما استخدمت تقييماتهم الذاتية عن معدل دقات قلوبهم التي بعثوها إلي الباحثين.
مدى إجماع المجموعة قيس بعدد المشاركين الذين اختاروا نفس الخيار الأخلاقي عبر سيناريوهات مختلفة. توصل الباحثون إلى وجود رابط (تلازم) بين الحس الداخلي واتخاذ القرارات التي تتوافق مع إجماع المجموعة. هذه العلاقة كان بسبب تأثير حالات نشاط الدماغ، كما قيس بالرنين المغناطيسي الوظيفي أثناء الراحة (فترة من عدم النشاط الذهني) والتي تتميز بنشاط في مناطق الدماغ المرتبطة بالمعالجة المرجعية الذاتية [المعالجة المرجعية الذاتية هي العملية الإدراكية لربط المعلومات، المستقاة غالبًا من المحيط، بمفهوم الشخص عن نفسه] (6، 7) والانتباه الداخلي [أي التركيز على المعلومات المولدة في داخل جسم الشخص، مثل الأفكار أو الذكريات، وتتضمن القدرة على تركيز الانتباه على المعلومات الموجودة في أذهاننا، لا على المثيرات الخارجية. وهذا خلاف الاهتمام الخارجي، الذي يركز على الأشياء أو الأحداث في البيئة (8)]. وهكذا، وفقًا للمؤلفين، فإن هذا الارتباط المكتشف حديثا بين حساسية الحالة الداخلية والانحياز إلى أحد محاور الأخلاق (9، 10) قد يؤثر في الحدس الأخلاقي (الاستجابة العفوية المباشرة في المعضلات التي تتطلب قرارت أخلاقية) للشخص عندما يعرف توقعات الآخرين الأخلاقية. [حساسية الحالة الداخلية، والتي يشار إليها غالبًا باسم الحس الداخلي (1)، هي القدرة على إدراك الإشارات من داخل الجسم والوعي بها. وتشمل مجموعة واسعة من الأحاسيس الداخلية، مثل معدل دقات القلب، والتنفس، والجوع، والشبع، ودرجة الحرارة، والألم، فضلاً عن الأحاسيس العاطفية (11). أما التوقعات الأخلاقية فهي معايير الصواب والخطأ التي يتبناها الأفراد والجماعات فيما يتعلق بسلوك وأفعال بعضهم البعض، وغالبًا ما تستند هذه التوقعات إلى القيم الثقافية المشتركة، أو المعتقدات الدينية، أو المعايير المجتمعية، وتلعب دورًا حاسمًا في التفاعلات الاجتماعية والعلاقات البينية] (12).
مصادر من داخل وخارج النص
1- “الحس الداخلي هي الحاسة المتعلقة بالحالة الداخلية للجسم، والتي قد تحدث بوعي أو بدون وعي. ينطوي الحس الداخلي على عمليات الدماغ المسؤولة عن تكامل الإشارات المنقولة من الجسم إلى مناطق فرعية محددة – مثل جذع الدماغ، والمهاد، والفص الجزيري، والجهاز الحسي الجسدي والقشرة الحزامية الأمامية – ما يسمح بتمثيل عالي الدقة للحالة الفيزيولوجية في الجسم. تبرز أهمية ذلك في الحفاظ على أوضاع الاستتباب في الجسم، وربما تسهيل عمليات الإدراك الذاتي.” مقتبس من نص ورد علي هذا العنوان;
https://ar.wikipedia.org/wiki/حس_داخلي
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/معضلة_أخلاقية
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/استبطان_(علم_النفس)
4- https://www.jneurosci.org/content/early/2025/04/28/JNEUROSCI.1114-24.2025
5- https://www.jvandertoorn.com/morality-in-groups
6- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC3794427/
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/تأثير_المرجعية_الذاتية
8- https://ntblab.yale.edu/wp-content/uploads/2015/01/Chun_ARP_2011.pdf
9- https://moral-ranking.fandom.com/wiki/Alignment
10- https://www.scu.edu/ethics/ethics-resources/ethical-decision-making/what-is-ethics/
11- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC8623242/
12- https://link.springer.com/content/pdf/10.1023/A:1004373711933.pdf
المصدر الرئيس
https://www.eurekalert.org/news-releases/1082015