أُسر دافئة

السيد فاضل آل درويش
من المسؤوليات المهمة الملقاة على عاتق الآباء تجاه أسرهم هو الجانب المالي وتوفير لقمة العيش الحلال ومستلزمات الحياة الكريمة من مسكن وملبس وغيره، وهذا الدور الكبير لا يمكن إنكار أهميته في حفظ الأسرة من الوقوع في قاع الحرمان والإحساس بالنقص والمشاعر السلبية الملتهبة تجاه الآخرين، والتأكيد على التوسّع والزيادة في الإنفاق على الأسرة دون الوصول إلى حد الإسراف هو جانب جمالي من عطاء الآباء وبذل الجهود الكبيرة في سبيل تهيئة أفضل السبل والفرص الحياتية لأبنائهم، بل وندب الشارع المقدس إلى التوسعة على العيال في الجانب المادي في المناسبات كالعيد، فما أجمل تلك الهدايا التشجيعية من الآباء لأبنائهم إزاء تحليهم بآداب أخلاقية واجتماعية أو تفوق مدرسي أو مساعدة الأمهات في بعض الأعمال المنزلية.
ولكن الصورة المعطاة للآباء لا تقتصر على الجانب المالي بل تتمثل بمختلف القدرات المعرفية والمهارية والإمكانية التي يقدّمها الآباء لأبنائهم، فقد ورد عن أمير المؤمنين (ع): عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: “خيرُ ما ورّث الآباءُ الأبناءَ الأدبُ)(غرر الحكم : ٣٨١٣ )، وهذا ما يعني أن المهام الملقاة على عاتق الآباء فيما وهبهم الباري عز وجل يشمل الجانب المادي والمعنوي، فهل لتوفير المستلزمات المالية من قيمة إذا خلت من اهتمام ورعاية وإشباع عاطفي ومؤازرة في الأوقات الصعبة والمساعدة في حل المشكلات ؟!
المسؤولية الأسرية تشمل الاهتمام بتنمية الجوانب التربوية والمادية بتحصيل مستلزمات الحياة الكريمة بعيدا عن الحرمان، وهذه المهمة الكبرى لمعيل أسرته تنال درجة من التقدير والقداسة لما تحمله من تأثير ونتائج في عطاء ومساهمات الأسرة في ازدهار المجتمع ط، فإذا كان هناك تقصير في الجانب التربوي وتعليم الآداب والقيم سيكون ذلك معيقا للأبناء في الانسجام مع أفراد المجتمع ونيل المقبولية والمحبوبية، كما أن الحرمان المادي وفقدان المستلزمات الضرورية سيشكّل دافعًا نحو تحصيلها من مصادر غير مشروعة كالسرقة والتحايل وغيرها من الطرق المهلكة، وإذا ما قام الأب بمهامه الأسرية وتحمل المسئولية التربية والتنموية وأحاطهم برعايته واهتمامه ومتابعته فإن ذلك يعني اتجاهًا نحو الرقي والتقدم تحقيق الطموحات والأهداف والنجاح.
الاهتمام بالجانب المعرفي والثقافي وتكوين الزاد والمخزون الثقافي مهمة يعمل الأب على تحقيقها وتنميتها، بما ينعكس على شخصية الأبناء وقدرتهم على التخاطب والتواصل وإدارة النقاشات في المحيط الأسري والاجتماعي، والأسرة أمام تحديات صعبة أمام تطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي وما تتضمنه في مواد مكتوبة ومرئية لا تحمل مضامين ومعاني هادفة، كيف وهي تعج بمواد لا قيمة لها وقد تشغل وقت أبنائنا وتصرف جهودهم نحو الفراغ والضياع، كما أن تلك الجلسات الأسرية المخصصة لتبادل الأحاديث ووجهات النظر حول مختلف المواضيع الاجتماعية والشؤون الخاصة والطموحات المستقبلية وطرق تجاوز المشاكل والعراقيل، فما يملكه الآباء والأمهات من خبرات تراكمية ودروس حياتية تمثّل ومضات تنير للأبناء دروب حياتية.
ومن تلك النعم الإلهية التي يحظى بها الآباء والأمهات التي ينبغي توعية الأبناء بأهميتها وطرق اكتسابها وتحصيلها هي إدارة الوقت واغتنام الفرص السانحة والحذر من مضيّعات الأوقات، ومن تلك المهام الأسرية هو الإشباع العاطفي وإشاعة أجواء الاحترام والمحبة بين أفراد الأسرة وتحقيق الانسجام والتواصل الإيجابي بينهم.