أقلام

بوّابة النور: حين يحبّك الله، يُوقظك!

أحمد الطويل

مقدمة:

نداءٌ في عُمق الألم.

هل مرّت بك لحظة شعرت فيها أن كل الأبواب قد أُوصدت؟

دعوتَ، فلم تُستجب، طرقتَ، فلم يُفتح، فاستقرّ قلبك في منتصف الطريق بين الأمل واليأس.

لكن مهلًا، هناك بابٌ واحد لا يُغلق أبدًا.

باب لا يحتاج إلى مفاتيح من ذهب، بل إلى قلب من نور.

باب لا يطرقه النائمون، بل المُحبّون في ظلمة الليل.

إنه باب وجه الله، وجهه الذي تجلّى في حجّته على خلقه، الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه).

وهناك مفتاح لهذا الباب لا يُعطى للجميع، اسمه: صلاة الليل.

الوجه الذي لا يغيب

قال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]. وقال تعالى: {وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27].

وجه الله في هذه الآيات ليس مجرّد تعبير مجازي، بل هو وجهه في أوليائه، حجّته في خلقه، الإمام المعصوم الذي لا تغيب عينه عن أحوالنا.

قال أهل البيت عليهم السلام: “نحن وجه الله الذي يُؤتى منه”.

هم الوسائط في الفيض، هم الأبواب التي لا تُقفل، والرحمات التي لا تُمنع.

فإذا أغلقت الأبواب من حولك، لا تبحث في الأرض، بل ارفع بصرك إلى وجه الله الحاضر في الغيب، المنادي للقلوب لا للآذان.

صلاة الليل علامة محبة إلهية

في ظلمة الليل، تُوزّع عطايا السماء.

في وقت يغفو فيه الناس، هناك أرواح تُدعى للقيام، تُنتخب لتقف بين يدي الله.

جاء في قصة رمزية أن امرأة صالحة كانت تقيم الليل، فقيل لها:

“كيف عرفتِ أن الله يحبك؟”

فأجابت بكلمة خالدة:

“لولا محبته، ما أقامني وأنامك!”

أي عطاء أعظم من هذا؟

أن يُوقظك الله، لا لتنجو من مصيبة، بل لتناجيه!

أن يُحبّك، لا لأنك طلبت، بل لأن قلبك أصبح صالحًا لاستقبال النور.

من التوسل إلى التعلّق

حين ترفع يديك في الليل، لا ترفعها فقط لتسأل رزقًا أو شفاءً، بل قل:

“يا وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء”

أنت بذلك لا تدعو شخصًا غائبًا، بل تتّصل بالقطب الذي تدور حوله الرحى.

توجّه إلى الإمام المهدي (عجل الله فرجه) كمن يبحث عن وجه الحبيب في عتمة الفجر، كمن يريد أن يعيش التوسل لا كوسيلة، بل كأسلوب حياة.

طُهر القلب مفتاح اللذة في الصلاة

هل تريد أن تتذوق لذّة الصلاة؟

إليك السر من لسان العارفين بالله: “المعاصي تُسود الروح، فإذا تكدّر القلب، لم يجد لذة في الصلاة.”

“إن صُرفتَ عن صلاتك، فبادر بتوجيه قلبك إلى الله بسرعة قبل أن يتمكّن الغياب.”

هكذا قال الشيخ بهجت (رض). فكما أن الضوء لا يمرّ عبر الزجاج المُتّسخ، كذلك لا يدخل النور قلبًا مثقلًا بالذنوب.

روّض نفسك فإنها كالحصان الجامح

الشيخ مصباح اليزدي (رض) شبّه النفس بالحصان البريّ: “إذا جاع، صاح وطلب، وإذا شبع، طغى.”

فلا تُلبِّ لها كل رغبة، ولا تُمطرها بكل شهوة.

دلّلها بالمجاهدات، وأذلّها بالمحاسبة، حتى تصبح طيّعة في يدك، قادرة على الصلاة لا نائمة عنها.

الخلاصة:

لا تكن نائمًا حين يوزّع الحب الإلهي

حين تُغلق أبواب الأرض، تذكّر أن باب السماء لا يُغلق أبدًا.

ومن بين كل أبواب السماء، هناك باب لا يُفتح إلا لمن أحبّه الله: باب صلاة الليل.

قيامك في آخر الليل ليس صدفة، بل دعوة.

إنها علامة محبة، علامة اصطفاء.

“لولا محبته، ما أقامني وأنامك!”

وجه الله لا يغيب، ونوره لا ينطفئ، وحجّته لا تُهمل.

وكل سجدة في جوف الليل، هي خيط من النور يربطك بالإمام المهدي (عج).

فلا تضيّع دعوتك، ولا تردّ يدًا امتدت إليك من الغيب.

انهض قبل الفجر، وكن ممن أحبّهم الله وأيقظهم.

اللهم يا من إليه تُرفع الأرواح، ويا من لا يردّ من ناجاه، نسألك بنور وجهك، وبوجهك الذي يتوجّه إليه الأولياء، أن لا تحرمنا من صلاة الليل، ولا من لحظات الخلوة بك، ولا من التعلّق بوليّك الحاضر الغائب. اللهم ارزقنا قلبًا لا يملّ من مناجاتك، وعينًا لا تجفّ من دموع خشيتك، واجعلنا من الممهدين للإمام المهديّ، ومن الواقفين معه لا عليه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى