ماذا سنفقد لو لجأ الطلاب إلى الذكاء الاصطناعي في كتابة تقاريرهم الأكاديمية؟

المترجم : عدنان أحمد الحاجي
بقلم الدكتورة آزاده علائي هي أستاذة مشاركة في علم النفس بكلية المجتمع في كوينزبورو، مقاطعة نيويورك
من منظور شخصي: الطلاب – وغيرهم – الذين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لا يعطون قيمة لقدراتهم الحقيقية.
في كثير من الحالات، أصبح تقبّل المستخدمين للابتكارات التكنولوجية نهجًا قائمًا على مبدأ “استخدم الآن وادفع لاحقًا”. بمعنى آخر، لم تُقابل الابتكارات بالضرورة بالشك الذي ربما كان ينبغي أن تُقابل به. ويُعدّ الذكاء الاصطناعي مثالًا رئيسًا على ذلك.
بالإضافة إلى المخاوف المُلحة الأخرى التي تواجه أعضاء هيئة التدريس في التعليم العالي – وهي مهنةٌ تُعدّ بالفعل مُرهقةً جدًا في الوقت الحالي، نظرًا للمناخ السياسي والثقافي الراهن – يجد الكثير منا أنفسهم في حيرةٍ بشأن ما يجب فعله عندما تُسند واجبات الطلاب الكتابية إلى الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، في العام الماضي، ذكرت مقالةٌ في مجلة Wired أن شركة تورنتن Turnitin، وهي شركةٌ مُتخصصةٌ في كشف الانتحال، أفادت بأن الطلاب قد قدّموا أكثر من 22 مليون ورقةٍ بحثيةٍ بمحتوىً مُولّدٍ بواسطة الذكاء الاصطناعي (1).
ومع ذلك، لم يقتصر اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي على طلاب التعليم العالي. فقد أشار تقرير مجلة Wired، على سبيل المثال، إلى “العثور على قرائن توحي باستخدام بوتات الدردشة في كتابة أوراق بحثية أكاديمية منشورة خضعت لمراجعة الأقران (2).” وقد تكون الأرقام أعلى مما ذُكر، سواءً أكان الفاعل طلابًا أو باحثين.
بصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية والفكرية المتعلقة بالاعتماد على هذه الأدوات لكتابة الأبحاث – سأتحدث عن ذلك لاحقًا – فإن ثمة قلقًا لا يقل إلحاحًا يتمثل في إقبال العامة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بالرغم من أن البيانات التي تُنتجها غالبًا ما تكون غير دقيقة إلى حد كبير. في الواقع، أفادت صحيفة نيويورك تايمز هذا الأسبوع (مايو 5, 2025) (3) أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة، بدلًا من أن تزداد دقةً مع انتشار هذه الأدوات – وربما تطورها – فإنها في الواقع تختلق معلومات بمعدلات تصل إلى 79%.
الهلوسة هو المصطلح الشائع الذي يستخدمه باحثو الذكاء الاصطناعي للإشارة إلى هذه الظاهرة. يذكر مقال مجلة Wired أن “الذكاء الاصطناعي التوليدي معروفٌ بالهلوسة، إذ يختلق حقائقه الخاصة ويستشهد بمراجع أكاديمية لا وجود لها واقعًا”.
وبقدر ما تُثير هذه الأرقام من قلق هو أن مطوري هذه الأدوات لا يستطيعون تفسير سبب ارتفاع معدلات الهلوسة الناتجة عن هذه الأدوات. يبدو أن الكثير من الطلاب يعتمدون على هذه الأدوات لإنجاز واجباتهم المقررة في المواد الدراسية، دون مراعاة أن ما يقدمونه، بالإضافة إلى أنه لا يعكس المادة الدراسية الأصلية، فإنه يفتقر إلى الدقة العلمية.
بالطبع، وكما أشرنا سابقًا، يُعدّ الافتقار إلى الدقة العلمية أحد المخاوف عند التصدي لمحاولة اعتماد الطلاب المفرط على هذه الأدوات. أما القلق الأخلاقي (ينشأ عندما يتطلب الموقف اتخاذ قرار للاختيار بين الخطأ أو الصواب أو الطيب أو السيء) الواضح فهو مدى اعتبار استخدام المحتوى المُولّد بالذكاء الاصطناعي شكلًا من أشكال الغش.
علاوة على ذلك، من المثير للقلق أيضًا أن رغبة الكثير من طلاب البكالوريوس (وربما طلاب الدراسات العليا) في اللجوء إلى هذه الأدوات تُشير إلى تركيزهم على النتائج (الدرجات) لا على العملية التعليمية. هناك قيمة جوهرية في العمل على تنمية مهارات الكتابة وتعلم طرق التعبير عن الذات بالكتابة على الورق [أو مباشرةً على لوحات الكومبيوتر او الأجهزة اللوحية] وذلك في بيئة أكاديمية. ومن الواضح أن هذه المهارة لا تحظى بالتقدير حين يسند الطلاب هذه العملية إلى الذكاء الاصطناعي.
اعتبرُ (والكلام للمؤلفة)ً أن هذا جانبًا من ترند واسع النطاق، حيث بدأت التكنولوجيا تحل محل الكثير من المهارات البشرية، ما من شأنه أن يُغيّر جذريًا معنى أن يكون الإنسان إنسانًا، كما يغير كيفية تفاعله مع العالم حوله. من واقع خبرتي، كثيرًا ما يُشجّع مدراء المدارس أو الكليات المدرسين أو هيئة التدريس على “تبني” هذه الأدوات، مُروّجين إمكانية تسهيلها لعملهم في مهام مثل تصحيح الواجبات وتقييم اجابات الامتحانات. مع ذلك، يغفل هذا الترويج مدى تقويض هذه الأدوات للغرض الأساس من التواجد في بيئة أكاديمية (التعامل او التفاعل المباشر بين الطالب والاستاذ في المدارس والجامعات ومدى فاعليته في العملية التعليمية).
غالبًا ما يطور الطلاب مهارات التفكير النقدي من خلال عملية الكتابة باعتمادهم على أنفسهم لا على الذكاء الاصطناعي. فبها حينئذ يتصدون لتحديات تنظيم أفكارهم، وتحديد ما يريدون التعبير عنه، والتعبير عنه بطريقة تُقدٓم للقارئ بطريقة مقنعة وجذابة. الكتابة عملية مستمرة تتطلب تحرير النص وإعادة التفكير فيه وربما إعادة صياغته وتحسينه.
وبعبارة أخرى، كما هو الحال مع الكثير من العمليات، فإن عملية الكتابة بالاعتماد على النفس تتطلب تفانيًا وصبرًا. أما حين يستعين الطلاب بالذكاء الاصطناعي لإنجاز مهمة كتابة معينة، فإنهم لا ينخرطون في عملية اختزالية فحسب [انجاز المهمة الكتابية بطريقة مختصرة وسريعة]؛ بل يقللون من قيمة مهاراتهم وقدراتهم وأدائهم في ذلك، ولا يمنحون أنفسهم الفرصة للتفكير والإحساس بالموضوع المعين. كما أنهم لا يمنحون أنفسهم الفرصة للتفكير بشكل أعمق عن أي موضوع كُلفوا بالكتابة عنه.
لقد عرف علم النفس منذ فترة طويلة القوة العلاجية الممكنة للكتابة التعبيرية (4) [للتعبير العميق عن الأفكار والمشاعر الكامنة في النفس، بغرض العلاج من الصدمات النفسية (4)]. وبما أن تفسير المرء للتجارب أو الأحداث التي مرت به هو إحدى الوسائل التي يمكن أن يكون الكتابة عنها كتابة علاجية، فمن المنطقي أيضًا أن يكون مثل هذا التفسير مفيدًا أيضًا حتى للكتابة الأكاديمية الأكثر تقليدية. وبالتالي، فإن الغرض من تكليف الطالب بتقديم بحث مكتوب في بيئة أكاديمية لا يتعلق فقط بالمنتج النهائي الذي يكتبه الطالب، بل أيضًا بالعملية التي تمكِّن الطالب من تأليف هذا البحث قبل تسليمه إلى الاستاذ.
ومن وجهة نظري على الجانب الآخر من هذه العملية، بالرغم من أنه قد يكون تصحيح الأوراق التي كتبها الطلاب الذين لا يملكون مهارة في الكتابة الأكاديمية بعدُ مزعجًا، إلا أنها أيضًا تعتبر فرصة للمدرس لتوجيه لطلابه، وتقديم الملاحظات التي يحتاجون إليها، ومعرفة المزيد عن حياتهم الداخلية. في الواقع، بعض هذه التجارب التي كان لها دور أكبر في التحول المعرفي والحياتي في حياة الطلاب التي مررتُ بها في حواري مع طلابي أثناء تقييم أبحاثهم المكتوبة.
ربما الاعتماد على الذكاء الاصطناعي سيمكنني من أن أصحح أبحاث الطلاب “بشكل أسرع”، لكنني أثق في أن تكون تعليقاتي وتغذيتي الراجعة لهم والتحريرات التي أتمكن من تقديمها على أبحاثهم أكثر بكثير مما لو كانت معمولة بمساعدة الذكاء الاصطناعي (البوتات). وأتخيل أيضًا أن الطلاب سيشعرون بنفس القدر من عدم الارتياح بنفس الطريقة التي نشعر بها كأعضاء هيئة تدريس لو اكتشفنا محتوى مكتوبًا بواسطة الذكاء الاصطناعي في الأبحاث التي سلموها لنا، لو وجدوا أنفسهم أن الابحاث التي سلموها قد تم “تقييمها” فقط بواسطة الذكاء الاصطناعي، لا بواسطة أستاذهم.
هؤلاء هم الضحايا الأقل وضوحًا لمبدأ: “الابتكار والتقدم السريع أهم من تجنب الأخطاء, وهذا يعني أنه إذا لم تُكسر القواعد وتُرتكب الأخطاء، فمن المرجح أن لا يكون هناك ابتكار بالسرعة الكافية.” يعطي هذا النهج الأولوية للعمل والتجربة على حساب التخطيط الدقيق والتحليل. هذا المبدأ الذي تغلغل في شركات التكنولوجيا الكبرى منذ نشأتها، والذي اخترق الآن كل مؤسسة تعليمية موثوقة تقريبًا في ثقافة المجتمع السائدة، والتي تنطوي على القناعات والمعتقدات والقيم والممارسات والأعراف العامة التي يقبلها ويتبعها المجتمع.. وعلاوة على ذلك، فإن المحتوى المنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي والذي يقدمه الطلاب ربما لا يعكس بدقة موضوع البحث الذي اختاروه.
مصدر من خارج النص
1- https://www.business-standard.com/technology/tech-news/ai-becoming-more-powerful-but-its-hallucinations-are-getting-worse-125050501446_1.html
2- https://www.wired.com/story/student-papers-generative-ai-turnitin/
3- https://www.apa.org/monitor/jun02/writing
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/العلاج_بالكتابة
المصدر الرئيس
https://www.psychologytoday.com/us/blog/the-first-impression/202505/what-is-lost-when-students-turn-to-ai