أقلام

الحج وفادة إلى الله تعالى

السيد فاضل آل درويش

عامل مشترك بين العبادات والفرائض الإلهية وهي تعظيم ذكر الله تعالى وإنعاش النفس بفيوضاته، فذكر الله تعالى منهاج حياة يحيي العقل بالفكر الواعي والرشد في اتخاذ الخطوات والقرارات، كما أنه يرتقي بالجانب السلوكي في ميدان الاستقامة ونزاهة النفس عن الرذائل والعيوب، وفي مظهر إنساني نبيل تسوده المساواة ونبذ الطبقية والعنصرية يشهده الحجاج الوافدون إلى البيت العتيق من كل فج عميق على اختلاف ألسنتهم، ولكن الجهة والمقصد واحد وهو تعظيم شعائر الله تعالى وامتثال أوامره ابتغاء القرب منه و رضوانه عز وجل، وأداء مناسك الحج يرفع درجة الوعي والفهم عند الحاج فتعاف نفسه القبائح ومعصية الله تعالى الذي ينحدر به إلى العقوبات الإلهية .

والجانب الاجتماعي لفريضة الحج واضح في صبه معالم التعاون والعطاء والتخلص من أسر الأنانية وشح النفس، وهكذا تمثل مناسك الحج مدرسة تربوية تهذّب النفوس وتخلّصها من الآفات والأمراض الأخلاقية.

مدرسة الحج تكسب المفردات والمفاهيم الأخلاقية التي تعزّز فهم واستقامة الحاج وتهذّب نفسه، فعندما يتعامل بمبدأ الاحترام للحجاج الآخرين ويتجنب كل ألوان الأذية والتجاوز عليهم ولو بكلمة مسيئة، فهذا يعزز من قيمة ضبط النفس والحفاظ على هدوئها في أوقات تأجج المشاعر سلبيًا والانفعال الشديد بسبب استفزاز أو إساءة، ويدعو إلى مبدأ التسامح وعدم مقابلة الإساءة بمثلها فهذا يعزز العلاقات المجتمعية و يحافظ على استقرارها وترسخها وتجنب خضات الخلافات والخصومات، وما أعظم ذلك الإنسان الذي تشرّبت نفسه قيم الحج وآدابه المعنوية فيرجع إلى بلده وأهله متكامل النفس و المشاعر، فعنوان الحج وقيمه يستمدّها من قوله تعالى: { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ … }{ البقرة الآية ١٩٧ }، فحركة الحاج محورية حول ضبط اللسان من الرفث و الكلام المسيء وحفظ نفسه من الدخول في دائرة المحرمات اللفظية، وحفظ لجوارحه من الانغماس في حركة الشهوات والأهواء المتفلتة الموقعة له في مستنقع المعاصي والآثام، وأما على مستوى العلاقات الاجتماعية فتعلو قيمتها من خلال تجنب تلك الآفات المؤدية إلى المشاحنات والخصومات، من خلال النقاشات الحادة والساخنة والأحاديث الفارغة المتسمة بالتزمت والبحث عن انتصارات وهمية، وهذه القيم التي يحياها الحاج في رحلة الحج المعنوية تعدّه مستقبلًا لحياة سعيدة وناجحة تتصف بالقيم الروحية و الفكر الناضج و الخطوات المضبوطة على إيقاع التقوى والضمير اليقظ، فيحافظ على قيمة الدعاء والأجواء الروحية متأملًا مضامينها والمباديء والفضائل التي تدعو إليها، ويتخذ من مبدأ الصبر الذي رافقه في رحلة الحج وسانده في أداء المناسك بعيدا عن الغضب والتفلّت في أعصابه والتشتت في فكره؛ ليكون فضيلة يستظل بها المسلم في شق خطواته في ميادين الحياة وبناء علاقاته الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى