أقلام

يا منى، ما زلتِ في القلب وإن ابتعدتُ

أحمد الطويل

مقدمة:

لم أكن أظن أن يمرّ يوم عرفة وقلبي هناك، وجسدي هنا.

أن أسمع التكبيرات تتعالى، دون أن تردّدها قدماي في صحن الطواف.

أن أرى الحجاج يفيضون من عرفات، وأفيض معهم… فقط بالبكاء.

أين حقيبتي؟ أين بطاقة القافلة؟ أين ذلك الشوق الذي لا يهدأ حتى تطأ قدماي أرض الحرم؟

كل عام كنت هناك، حاجًّا أو خادمًا لحجاج الله.

أعود محمّلًا بدعوات، مثقلًا بالتعب، مرتويًا بالسكينة.

لكن هذا العام، كما العام الذي قبله، غبتُ عن الركب.

لا كنتُ حاجًّا، ولا كنت رفيقًا في القافلة.

فهل يمكن لعيدٍ بلا مِنى أن يكون عيدًا؟

وهل من وقفة دون عرفات؟ وهل يغيب العيد حين يغيب الجسد؟

من الذاهب الدائم إلى المُقيم في الحنين

كنت ممن تسوقهم الأشواق إلى البيت، كل عام.

في كل موسم، حقيبتي تُحزم، وقلبي يُعلّق هناك.

لكن هذا العام، اكتفيت بالمراقبة.

لا تصريح، لا لَبِّيك، لا سعي إلا بين الحنين والرضا.

مرّت القوافل، وبقيتُ أنا… واقفًا على أطراف الدعاء.

الغياب الجسدي لم يُلغِ الإقامة القلبية.

منى ما تزال داخلي، وعرفات ما تزال في دمعٍ لا يُرى.

أين العيد؟

العيد ليس ثوبًا جديدًا، ولا ضحكة عابرة.

هو ذبحٌ للغفلة، ونحرٌ للكبر، وعودة لله بقلبٍ أبيض كلباس الإحرام.

وحين منعتني الظروف هذا العام، فهمت:

أن الله لا يُقاس بالأميال.

وأن القُرب لا يُحسب بالخطوات، بل بالقلوب.

أنا الغائب الحاضر

غبتُ عن الحرم، لكن لم أغب عن الرجاء.

قدماي لم تسعيا، ولكن روحي تسعى.

كنت أطوف بالكعبة، واليوم أطوف بين خوفي وتقصيري.

لم أهدِ الهدي، لكن أَهدي دمعتي.

لم أذبح بقرب البيت، لكن ذبحتُ في داخلي كل ما يبعدني عن الله.

رسالة إلى الحجاج

يا من كُتب لكم الحج، لا تنسونا. نحن الذين كانت أرواحهم تسبقهم، فتأخرت هذا العام.

ادعوا لنا عند زمزم، وعند الملتزم.

أن يُكتب لنا اللقاء، وألا يحجبنا ذنبٌ ولا ظرف.

لكم منا السلام، والدعاء، ودمعة الشوق.

عيدٌ دون حج، ولكنه ليس دون معنى

لم أُكَبّر في صحن الطواف، ولكن كبّرت في صدري حتى ارتجّت أضلعي.

ذبحتُ الغفلة، وأهديتُ دمعتي.

غيابي لم يُبعدني، بل قرّبني.

فعرفتُ أن الحجّ ليس عادة سنوية، بل عودة روحية دائمة.

العيد الحقيقي هو: أن تعود لله بقلبٍ جديد، أن تعرف أن الطريق إليه لا يُغلق، حتى لو أُغلقت أمامك المطارات.

الخلاصة:

هذا العيد لم يكن كما اعتدت، ولكنه لم يكن دون جمال. بل كان أجمل من جهةٍ أخرى: جمال التضرّع، وجمال العودة، وجمال أن الله لا ينتظر جسدك، بل قلبك.

العيد فرصة، حتى لو لم نكن في منى. فالأضحية ليست لحمًا نذبحه فقط، بل هوى نتركه، وكِبر نكسره، ونية نُحييها.

وليس الحج لمن وقف بعرفات فقط، بل لمن عرف ربّه وعاد. فإن فاتنا الحج، فلا يفوتنا المعنى. وإن غبنا عن البيت، فلا نغِب عن بابه.

اللهم، إن لم نحجّ هذا العام، فلا تحرمنا عرفتك. وإن غابت خطانا عن المشاعر، فلتسكن أرواحنا في حضرتك. نحن عبادك، نقف على بابك من أماكننا، نرجو غفرانًا لا يُرد، وقربًا لا يُفقد.؛يا أرحم الراحمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى