لعبة الفهد – الحلقة الحادي عشر: العصفور طار

إبراهيم الرمضان
النقيب مدرك مع فريقه يتباحثون حول المعلومات التي وصلتهم، بما في ذلك ما يتعلق بالشيخ أبي مشاري، ولكن ما شغله أيضًا هو الاختفاء الغامض لفهد.
كانت قد وصلتهم معلومة بأن فهد حجز رحلة إلى دولة إفريقية بعيدة، ولذلك أرسل أحد عناصره لحجز رحلة على الطائرة نفسها بهدف تتبعه.
وخلال الاجتماع، كان النقيب مدرك يتحدث مع العنصر بغضب قائلًا:
– كيف فقدت أثره رغم أن المعلومات تؤكد وصوله إلى الدولة الإفريقية؟
برر العنصر قائلًا:
– كنت متأكدًا من وجوده على متن الطائرة، ولكن بعد هبوطها اضطراريًا في دولة مجاورة، فقدت أثره تمامًا بسبب الفوضى هناك ولم أره بعد ذلك. وبالرغم من ذلك، تم تأكيد دخوله إلى الدولة الإفريقية، هذا ما أثار استغرابي حقًا!
أردف العنصر بقلق:
– والمشكلة الأكبر أننا لا نملك أية اتفاقية تبادل معلومات بين الدولتين، مما يزيد الأمور تعقيدًا…
تمتم النقيب مدرك وهو يفرك ذقنه غارقًا في التفكير:
– هذا الفهد… يبدو أذكى مما تخيلت، من الواضح أن لديه شبكة قوية تدعمه… الرجل ليس لوحده بالتأكيد.
ثم وجّه سؤاله إلى بقية فريقه:
– حسنًا، ماذا لديكم من معلومات عن مبررات الهبوط الاضطراري في الدولة المجاورة؟ وما سبب الفوضى التي حدثت بعد ذلك؟
أجاب أحد المحققين:
– حسب ما تتبعناه، تلقى الطيار بلاغًا كاذبًا يفيد بوجود قنبلة على متن الطائرة، وكان الطيار أكثر ذكاءً وقام بإبلاغ الركاب بأن الهبوط الاضطراري لأسباب تقنية.
النقيب مدرك، مستفهمًا بجدية:
– طيب؟ وماذا عن الفوضى التي جرت بعد ذلك؟
رد المحقق:
– الأمر غريب جدًا! أمن المطار حقق مع رجلي الأمن اللذين تسببا في حالة الهلع. وتبين أنهما كانا حديثي التعيين ويفتقران للتدريب الكافي للتعامل مع مثل هذه الحالات. والغريب أنهما هما اللذان صرخا بوجود قنبلة، رغم التشديد الأمني على التكتم على هذه المعلومة تمامًا! مما أدى إلى كل هذه الفوضى.
قاطعه النقيب مدرك، مستنكرًا:
– ولكن لماذا صرخا بذلك؟
تابع المحقق:
– بررا بأن أحد الركاب هو من صرخ أولًا بأن هناك قنبلة، مما زاد من رعبهما فوق رعبهما السابق!
وقف النقيب مدرك فجأة وهو يصيح بانفعال:
– وكيف عرف هذا الراكب بوجود قنبلة؟! لا بد أنه كان على علم مسبق بالبلاغ… لا تفسير آخر لذلك!
ثم ضرب الطاولة بيده قائلًا:
– هذا هو… إنه (الفهد)! الماكر خدع الجميع!
ساد الصمت في الغرفة للحظات قبل أن يواصل النقيب مدرك:
– فكروا بها… بلاغ كاذب، رجال أمن غير متمرسين، وفوضى عارمة بعد الهبوط الاضطراري… كل هذا كان مخططًا بدقة. هذا (الفهد) لم يغادر أبدًا إلى الدولة الإفريقية… لقد استغل الفوضى ليختفي عن الأنظار تمامًا! من الواضح أن هناك شبكة قوية تدعمه، مدعومة بمهارات تقنية عالية.
أحد المحققين، بعد تفكير عميق:
– ولكن يا سعادة النقيب، إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكننا تتبعه الآن؟
هز النقيب مدرك كتفيه ورفع يديه بغضب:
– هذه ليست سوى البداية… إذا كان يظن أنه خارج سيطرتي، فهو مخطئ. لا أحد يهرب من مدرك… حتى لو اضطررت إلى البحث عنه في قلب الفراغ ذاته!!
صمت النقيب مدرك قليلًا، ثم قال لفريقه بحزم:
– الفهد لن يبقى في وضعية الصمت لفترة طويلة، طالما أن هدفه واضح وهو استهداف أبي مشاري، حتى وإن كان ذلك في الخفاء. ولذا، من الآن فصاعدًا، ركزوا على مراقبة الشيخ أبي مشاري عن كثب، وتتبعوا أية مشكلات أو هجمات قد يتعرض لها… فمن خلالها سنتمكن من معرفة تحركاته ووضعه الحالي.
وفي مكان آخر، الشيخ أبو مشاري يجلس في مكتبه الخاص بالفندق، أمام شاشة كبيرة تبث أشهر قناة في البلاد. كان قد تعاقد مع إحدى كبرى شركات العلاقات العامة بهدف تحسين صورته، بعد أن باتت جهود الذباب الإلكتروني غير كافية لتلميع ما تلطّخ من سمعته. فالأخبار التي بدأت تتسرب حول تورطه في قضايا فساد مالي، ودعمه لجماعات إرهابية لتحقيق أطماع شخصية، أصبحت تلاحقه بشدة.
قرر التصدي لكل هذه الاتهامات عبر سلاح الإعلام والعلاقات العامة، حيث تم تسجيل لقاء خاص معه، يرد فيه على جميع الاتهامات الموجهة إليه، إضافة إلى التقاط صور ومقاطع متعددة تُظهره في صورة الابن البار للوطن، والرجل المعطاء الكريم.
دخل الحارس الشخصي إلى المكتب ومعه مندوب العلاقات العامة، وكانت ناهد حاضرة أيضًا، إذ حرصت على التواجد في هذه الفترة بحجة تقديم أشهى أنواع الحلويات للشيخ أبو مشاري خلال متابعة البرنامج الذي يترقبه بفارغ الصبر.
سأل أبو مشاري مندوب العلاقات العامة بعصبية:
– متى سيُبث البرنامج؟ لقد تأخر كثيرًا!
أجابه المندوب بهدوء:
– التأخير كان مقصودًا يا شيخ ومرتبًا له بدقة. نحن نستهدف الفترة الذهبية للبث، وقد تم دفع مبالغ طائلة لشراء هذه المساحة، إلى جانب الحملات الإعلانية والترويجية التي سبقت البرنامج خلال الأيام الماضية… كما أخذنا بالحسبان الشاشات العملاقة التي ستعرض البرنامج بالتزامن، وأحدها مثبت عند حديقة الفندق… لو تلقي نظرة من خلال النافذة، سترى أعدادًا غفيرة تجمعت هناك مترقبة بدء البث الآن.
ثم أضاف مطمئنًا:
– لم يتبقَّ سوى ربع ساعة فقط على بدء البث.
بالفعل، بدأ بث البرنامج الذي بدا عليه الاحترافية العالية، حيث أظهر الشيخ أبا مشاري بأبهى صورة. كان يُقدَّم للمشاهدين كرجل معطاء وكريم بشكل مبالغ فيه إلى حد السخرية؛ إذ تم تصويره وهو يوزع الهدايا على الأطفال، ويُطعم الفقراء بنفسه، بل وصل الأمر إلى مشهدٍ وهو يمسح دموع أحد المحتاجين بيديه، مؤكدًا أن ما يتعرض له من اتهامات ليس إلا ظلمًا من المغرضين الذين يحسدونه على نجاحه ونفوذه.
وتزامنًا مع البث، تم تكثيف حملات التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتحفيز الجمهور على متابعة البرنامج، مع وسم خاص يحمل اسمه، رُوِّج له بشكل واسع حتى أصبح يتصدر الترند في عدة دول عربية.
رفع مندوب العلاقات العامة هاتفه متحمسًا ليتصل بإدارة القناة، وسأل عن عدد المشاهدات. أخبروه بأن الأرقام فلكية؛ حيث تجاوز عدد المشاهدين الملايين على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إضافة إلى نسبة واسعة من المتابعين العرب في أوروبا.
مرّت حتى الآن 29 دقيقة على بث البرنامج، التفت المندوب إلى أبي مشاري قائلًا بابتسامة واثقة:
– أهم فقرة هي آخر 15 دقيقة، يا طويل العمر… بقيت دقيقة واحدة فقط وسترى مفاجأة لن تتوقعها أبدًا!
لم يستطع الشيخ أبو مشاري إخفاء ابتسامته العريضة، وكان في قمة سعادته، يترقب اكتمال هذه الدقيقة بفارغ الصبر، ظنًا منه أن مشكلته مع صورته الذهنية قد حُلت أخيرًا مع نهاية بث البرنامج… ولكن…!!!!
مع أن الشيخ أبا مشاري، وهو صاحب الشأن، كان متحمسًا لما ستعرضه الدقائق الـ 15 الأخيرة، إلا أن ناهد كانت تتحرّق شوقًا أكثر منه. ورغم أنها أظهرت عدم المبالاة، إلا أن عينيها كانتا تراقبان الشاشة والساعة الكبيرة المعلقة، منتظرة اكتمال الدقيقة لمشاهدة الفقرة المنتظرة.
وأخيرًا… أصبحت الشاشة سوداء، وانقطع الصوت تمامًا! بعد 15 ثانية من الصمت المريب، انطلق صوت نشاز جدًا يردد:
– عصفور طار… عصفور طااااار!
نظر الشيخ أبو مشاري إلى مندوبه بذهول، منتظرًا تفسيرًا لما يجري، ولكن المندوب بدا في حالة ارتباك شديدة، فهذا لم يكن ضمن الترتيبات المتفق عليها. ما الذي يحدث؟!
وفجأة، ارتفع الصوت بقوة، حتى إن الشيخ سمعه من خلال الشاشة العملاقة المثبتة في حديقة الفندق! كانت قوة الصوت كفيلة بجعل رأس أبي مشاري يهتز بعنف، مما أدى إلى انزلاق عقاله قليلًا، فاتحًا ثغرة فوق رأسه، ربما من شدة الرعب… أو لعلّ العقال نفسه لم يحتمل الموقف… فانفجر ضاحكًا! لتظهر على الشاشة لقطة له وهو يطير من كرسيه المتحرك بحركة بطيئة، في وضعية “السلو موشن”، ليبقى لأطول مدة ممكنة بين السماء والأرض، على خلفية شيلة ذات صوت نشاز يردد:
– عصفور طاااار… ووجهه صاااار… مثل الفيل انقلب لحماااار!
لم تستطع ناهد أن تتمالك نفسها، أحشاؤها تكاد تتقطع من شدة الضحك، ركضت بأقصى سرعة إلى خارج الغرفة لتبتعد مسافة كافية، قبل أن تنفجر ضاحكةً حتى انهمرت دموعها مثل الشلال. في هذه الأثناء، كان أبو مشاري في حالة صدمة عنيفة، خاصة بعد أن سمع أصوات الضحكات تتعالى من الحشود المتجمعة أمام الشاشة العملاقة في حديقة الفندق.
صرخ أبو مشاري بغضب شديد، وكأن أمعاءه وطحاله سيخرجان من فمه:
– هذه هي المفاجأة التي وعدتني بها؟؟؟!!! ما شاء الله!!! كم أنا مسرور!! ألا تفسر لي ماذا يجري؟!
المندوب، الذي بدا وكأنه يبحث عن حفرة يختبئ فيها، حاول أن يبرر قائلًا:
– يا طويل العمر، هذا ليس ما كان مخططًا له! لا علم لنا من يقف وراء هذا!
زاد غضب أبي مشاري وهو يصرخ:
– إذا كنتم أنتم لا تعلمون، فمن يعلم إذن؟!
في هذه اللحظة، ربت الحارس الشخصي على كتف “طويل العمر” بهدوء وقال:
– يا شيخ، انظر إلى الشاشة… لعل ما أراه يفسر ما يحدث!!
نظر أبو مشاري إلى أعلى زاوية الشاشة، ليقرأ العبارة التي زادت من ذهوله:
– هذه الفقرة برعاية: X-Shadow.
اتسعت عينا أبي مشاري من الصدمة حتى شعر أنه على وشك الموت، وصاح:
– أوقفوا البث فورًاااااا!!!
سارع المندوب إلى الاتصال بالقناة مستفسرًا في حالة من الهلع:
– أوقفوا البث حالًا!! ما الذي يحدث؟!
جاءه الرد ليزيد الطين بلة:
– تم اختراق القناة من قبل المدعو X-Shadow… ولا نستطيع إيقاف البث أبدًا!!!
وعلى وقع هذا المشهد الجنوني، بدأ الجماهير بالخارج بترديد الشيلة النشاز، وكأنها أصبحت نشيدًا وطنيًا جديدًا:
– عصفور طاااار… ووجهه صاااار… مثل الفيل انقلب لحماااار!
أهل القرية الذين طالما ضاقوا ذرعًا بتصرفات أبي مشاري كانوا يقفزون فرحًا، أصبح الحال إلى ما يشبه حفلة شعبية، يصفقون ويضحكون، بينما يُعاد المشهد الساخر مرارًا وتكرارًا على الشاشات في كل مكان بالعالم، مصحوبًا بالشيلة ذات الصوت النشاز:
– عصفور طاااار… ووجهه صاااار… مثل الفيل انقلب لحماااار!
بعض الشباب لم يفوّتوا الفرصة، فبدؤوا بتوزيع العصائر والحلويات على الحضور وكأنها ليلة زفاف، بينما آخرون حملوا أعلامًا وأخذوا يلوحون بها بحماس. لم تكتمل الأجواء الاحتفالية إلا عندما انطلقت الألعاب النارية في السماء، لتلون الليل بمزيج من الأضواء المتراقصة، فيما كان الحشد بأكمله يردد بصوت واحد، في تناغم أقرب للهتاف الجماعي الذي يهز المكان:
– عصفور طاااار… ووجهه صاااار… مثل الفيل انقلب لحماااار!
داخل المكتب، كانت الفوضى في أوجها. أخذ أبو مشاري يركض في الغرفة ذهابًا وإيابًا، ووجهه محمرّا وكأن رأسه تحوّل إلى قدر ضغط بدأت فوهته بالتصفير، وضغطه ارتفع إلى حدّ الخطر، وهو يصرخ في كل الاتجاهات:
– أين الأمن السيبراني؟ أين الحماية؟ من هذا الـShadow اللعين؟!!
ناهد، التي كانت تختبئ في إحدى الزوايا، كادت أن يُغمى عليها من شدّة الضحك. كلما حاولت أن تستعيد أنفاسها، عاودتها نوبة جديدة فور سماع أية صرخة جديدة لأبي مشاري! دموع الضحك سالت على وجنتيها، ويدها المرتعشة بالكاد تمكنت من التقاط هاتفها عندما اهتز مُعلنًا عن وصول رسالة من فهد، يسأل فيها بسخرية:
– ما أخبار العصفور؟ هل ما يزال يغرد؟
أرسلت إليه رسالة سريعة، وأصابعها ما تزال ترتجف من الضحك:
– أحسنت… الحفلة بدأت! والعصفور يغرد بأعلى صوته… حتى كادت حوصلته أن تنفجر!
فهد رد عليها بإيموجي “وجه يضحك حتى البكاء”، بجانبه سهم يشير إلى عصفور، فيل، وحمار!!
أما النقيب مدرك، فكان يتابع البث من مكتبه مع بعض أفراد فريقه، واضعًا قدميه على الطاولة، يحتسي قهوته بهدوء، فقد ضحك بخفّة قائلًا:
– يبدو أن الفهد قد بدأ يتحرك أخيرًا… والآن بدأت اللعبة الحقيقية…
عقب أحد المحققين:
– مع ذلك، هجماته الآن من وراء الكواليس، والقناة لا تبث من بلادنا كما تعلم، ولا توجد أية معلومات تساعد على الاستدلال على مكان وجوده.
هزّ النقيب مدرك رأسه مبتسمًا، ثم وضع كوب القهوة جانبًا وهو يتحدث بثقة:
– لا يهم… هذا الفهد ذكي، ولكن كل صياد ماهر يعلم أن صيد فريسته يحتاج إلى الصبر أكثر من الذكاء. الفهد مهما كان ذكيًا، لن يستطيع الاختفاء إلى الأبد. سنتركه يتحرك، سنتركه يضرب مرة ومرتين… حتى يشعر أنه في مأمن.
نهض من مكانه وسار ببطء في الغرفة، قبل أن يضيف بنبرة حازمة:
– عليكم الآن فقط رصد ردود الأفعال، قد نعثر على طرف خيط هنا أو هناك. لا تتوقعوا أن تكون هذه الضربة الأخيرة… لا شك أن هناك هجمات أخرى قادمة، وكل مشكلة يتعرض لها الشيخ أبو مشاري يجب مراقبتها عن كثب وتتبعها بدقة.
من جهة أخرى، تجمهر العديد من الغاضبين أمام منزل أبي فهد، كعادتهم في الاحتجاج على أفعال فهد ومطالبتهم بوضع حد له. ولكنهم تفاجؤوا هذه المرة بخروج أبي فهد بصورة مختلفة تمامًا عن التي اعتادوها عندما كان يواجه غضبهم، إذ خرج مبتسمًا وهو يحمل صحنًا مليئًا بالحلويات، وبدأ يرميها على الحضور ابتهاجًا بالمناسبة.
قائلًا بسخرية:
– أفكر بجعل هذه المناسبة احتفالًا سنويًّا وأسميه “يوم سقوط العصفور”!
انفعل أحدهم في وجهه معبرًا عن خيبته:
– لم أتوقع منك هذا أبدًا! كان ينبغي أن تغضب من فهد وتمنعه من الاقتراب من هذا الحي مجددًا!
فاجأبه أبو فهد بردّه الحازم:
– في الواقع، أنا من لا يريد مجاورتكم بعد اليوم! سأترك هذا الحي البائس لأجاور أشخاص يقدرون الحياة والبشر بشكل أفضل!!
لينتهي هذه الليلة على صوت ضحكات تتعالى، وأعصاب مشدودة، وصراع بدأ للتو!
كان على أبي مشاري انتظار اليوم التالي لتلقي ردود الأفعال التي لا تكاد تتوقف!! النزلاء بدؤوا بالخروج بشكل جماعي من الفندق، إضافة إلى إلغاء الحجوزات للفترات القادمة، سواء كانت للغرف أو المطعم أو قاعة المؤتمرات. ولم تتوقف الكارثة عند هذا الحد، بل امتدت إلى مشاريعه الأخرى التي لاقت نصيبها من الكوارث وحملات المقاطعة، كما أن الشركات التي أبرمت صفقات معه بدأت تلغيها بشكل متتالٍ!
توقع أبو مشاري أن الأسوأ قد وقع، ولكن المصائب لا تأتي فرادى… فجأة، رن هاتفه ليرد بقلق ليجد محاميه الخاص على الطرف الآخر، وبصوت مذعور قال له:
– يا شيخ… لا أعرف كيف أقولها لك… ولكن يبدو أن هناك قضية تم فتحها ضدك… بتهمة تمويل جهات إرهابية… والأدلة، للأسف، فوق ما تتصور!!
تسمر أبو مشاري في مكانه، وكأن الأرض انشقت تحته. لم يكد يلتقط أنفاسه حتى جاءه اتصال آخر من مدير أعماله يخبره بأن حساباته البنكية قد جُمّدت بأمر من الجهات المختصة نتيجة وجود قضية اختلاس!!
شعر أن هناك أمرًا غير طبيعي يحدث… معلومات حساسة، لم يكن يتداولها إلا في الغرف المغلقة ومع أشخاص محدودين، بدأت تتسرّب وتظهر على شكل قضايا وشكاوى تتوالى ضده بشكل مريب! بدأ القلق يتسلل إلى نفسه، وراوده الشك بأن هناك من يسرّب أسراره من داخل دائرته الضيقة… شيئًا فشيئًا، أدرك أن الحرب لم تعد مجرد هجمات من الخارج، بل هناك خونة في الداخل!
صرخ وهو ينهار في مقعده:
– فهد… لا أحد غيره يفعلها!!! عليك اللعنة يا فهد!!