سلسلة المعارف الجوادية (٥ ) امتداد الروح

السيد فاضل آل درويش
ورد عن الإمام الجواد (ع) : (اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض)(بحار الأنوار ج ٧٥ ص ٣٦١).
تحفة تكتب بأحرف ذهبية تختزل مضامين وأسس العلاقات الاجتماعية الناجحة، فللناس فيما يرتبطون به من أصدقاء غايات تختلف بحسب ما يرى فيه الواحد منهم مصلحته ومنفعته، ولكن الأمر المهم يتعلق باستمرار تلك العلاقة وعدم الوصول في بعض المحطات إلى التخلي والانسحاب أو الطعن في الظهر، فالبعض قد يرجو من علاقاته الحصول على الأمان العاطفي والاجتماعي والراحة النفسية، ولكنه في نهاية العلاقة يصاب بالخيبة والصدمة العاطفية.
ولبناء علاقات قوية وفاعلة يبدأ الأمر بطريقة الاختيار والمعايير والمواصفات لتحقيق الانسجام والتقارب الفكري والنفسي، ونجد هذه الومضة النورانية تسلط الضوء على أهم مباديء العلاقات الناجحة وهو الصدق تجنب الدخول في دهاليز الخداع وتزييف الحقائق. فأنى للثقة المتبادلة والطمأنينة للآخر أن تُبنى جسورها مع من يبيع الوهم ويتخذ الكذب والتمويه أسلوبًا وطريقة في إدارة أموره الحياتية، كما أن الصديق مرآة صادقة لصاحبه يسمع منه النقد الإيجابي والنصيحة والتوجيه عند الحديث حول أهدافه ومشاكله وطموحاته، فيضع نصب عينيه تلك النقاط الخافية عنه ويصوّب الخطوات أو الأفكار قبل المضي فيها، وهذا السند الحقيقي في مواجهة الضغوط الحياتية يتشاطر معه الهموم والآلام النفسية ويساعده على استعادة توازنه النفسي والانفعالي، وكل هذه المهام الموكلة لا يمكن تحقيقها من قِبَل أي شخص بل تتطلب نوعية من الأصدقاء لا يتخلّى عنك في زحمة الصعاب والأزمات الحياتية.
الثقة والاحترام المتبادل يشكّل أرضية العلاقات الناجحة بين الأصدقاء، وهي وليدة مواقف وتجارب متعددة بدت وبرزت من خلالها المشاعر الصادقة والنبل في التفاعل والمشاركة الوجدانية، فكم من العلاقات التي تنضح منها المباديء والقيم الإنسانية الجميلة التي تقدّم باعتبارها دروسًا للأجيال تحتفي وتتمسّك بها، وهناك من العلاقات ما يمثل الأنموذج السيء للنفس البشرية المشبعة بالخبث والمكر والأنانية، والتي كان نتاجها انبعاث رائحة الغدر والحقد والمشاعر السلبية، وأما خيبة الأمل فكانت ذروتها وخاتمتها.
ذخائر الزمن وامتداد الذات والوجه الآخر لها والمرآة الصدوقة هم أصحاب الصدق والوفاء والفكر الواعي، ولذا يعبّر عنهم الإمام (ع) بالذخائر، أي تلك الخزينة المعدّة لأيام الشدة والمحن ومبعث الأمل في لحظات الألم والانكسار، وهذا ما يعزّز مبدأ النهوض مجددا وتحمل المسؤولية ومواصلة المسير.
إن تلك النفوس المتعبة من ألم الخيانة ومتشبّعة من قصص الخداع وارتداء الأقنعة الزائفة، تأتي إليها هذه الومضة لتعالج خللًا في الاختيار وضعفًا في الأسس للعلاقات الإنسانية، فهناك من يستحق الثقة في عقله وأخلاقه وعطائه، ولكن علينا صنع توأمة وانسجاما معه، من خلال التجارب التي تثبت استحقاق هذه المعاملة الخاصة واعتباره سندًا في الحياة.