مريم الغنام: رحلة إبداع من الإلهام النبوي إلى الزخارف الأحسائية

دلال الطريفي : الأحساء
في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتراجع فيه الحرف اليدوية، تبرز فنانات يحملن شغفًا استثنائيًا تجاه فنون تقليدية عريقة.
من بين هؤلاء المبدعات، تألقت الفنانة مريم الغنام في مجال قص الخشب ونحته، محوّلةً قطع الخشب الصامتة إلى أعمال فنية تنبض بالحياة والجمال، حيث حصلت على شهادة التدريب في مجال الخشب من بنك التنمية الداعم لجمعية عبد المنعم الراشد الإنسانية في سوق الحرفيين بالهفوف، تحت إدارة الأستاذ محمود، وتدريب الأستاذ أحمد أبو عزران الذي وصفته بأنه كان محفزًا ومدربًا لم يبخل عليها بالمعلومة، وكذلك الأستاذ محمود عز الدين الذي كان سندًا ومتعاونًا ومشجعًا لها، مما زاد من حبها لنجارة الخشب، لذا كان لنا معها لقاء لنستكشف رحلتها الفنية، مصدر إلهامها، والتحديات التي واجهتها في طريقها نحو التميز.
عندما سُئلت الغنام عن الشرارة الأولى التي جذبتها لعالم قص ونحت الخشب، لم تكن إجابتها تقليدية، فبابتسامة تعكس شغفها أشارت الغنام إلى الإلهام الذي استمدته من قصة نبي الله نوح وصناعته للسفينة من الجوفر، موضحةً أن هذا الإلهام الديني المتجذر في قصة بناء سفينة نوح كان نقطة انطلاق عميقة نحو عالم الخشب، وعن رحلتها في تطوير مهاراتها، أشارت إلى فضولها الذي دفعها للانضمام إلى دورة الخشب في سوق الحرفيين لتعلم وإتقان قص الخشب، مؤكدةً أن التطوير مستمر، حيث تعتمد على خوض التجارب وتطوير الحرفة بالاعتماد على أفكارها الخاصة، إضافة إلى المشاركة في ورش العمل والتعليم الذاتي.
تحمل الغنام في ذاكرتها أعمالًا فنية تحتل مكانة خاصة في قلبها، مثل المجسمات المتنوعة مثل الدببة والجمال والديناصورات، وحامل المصاحف، والزخارف الأحسائية، وحامل الجوال بنقشة الفرخ الطائر، وصندوق منقوش عليه البيذانة الحساوية.
أما عن أنواع الخشب المفضلة لديها، فتفضل الأخشاب الطبيعية الأمريكية والتركية، مشيرةً إلى أنها تستخدم أنواعًا مثل الزان الماهوغوني الذي تعده من أجود أنواع الخشب، وخشب الواو الذي يشبه فرو القط المنقط، وتبرر اختيارها لهذه الأنواع بجمال أليافها وصلابتها المرنة.
وفي ورشتها لا تستغني الغنام عن أدواتها الأساسية مثل منشار الطاولة، والرندة، وآلة الصنفرة، وجهاز الليزر كروس سو. وعند اختيار الخشب لكل مشروع، تؤكد على أهمية اختيار “الخشب الممتاز حتى يقدم المشروع على أكمل وجه”، وتعتمد على خصائص معينة للخشب مثل الصلابة واللون والألياف، مستشهدةً بخشب الواو الذي يتميز بصلابته ولونه الأبيض المائل إلى القش الشاحب، أما عن التقنيات المستخدمة، فهي تعتمد على الرند والصنفرة اليدوية.
وصفت الغنام رحلة قطعة الخشب الخام بين يديها حتى تتحول إلى عمل فني مكتمل بأنها “رحلة ماتعة، وبالذات إذا عملتها من نقوش وزخارف الأحساء وبعض من كلمات الأحساء مثل خط المسند، أشعر بسعادة لا توصف” تتضمن هذه الرحلة مراحل أساسية تبدأ بقص الخشب وصنفرته من العيوب، حيث يتم التعامل مع التشققات الموجودة في بعض الأخشاب، ثم يتم تنظيفه وصنفرته جيدًا قبل الاستعمال.
من الجدير بالذكر أن مصدر الإلهام لتصاميمها الخشبية يأتي بشكل أساسي من الزخارف الأحسائية ونقوش البيوت القديمة، ما يضفي على أعمالها طابعًا أصيلًا وتراثيًا.
لا تخلو مسيرة أي فنان من التحديات، وبالنسبة لمريم الغنام، يكمن التحدي الأكبر في الموقع ورأس المال، فتشير إلى حاجتها لورشة عمل مستقلة، حيث تستخدم حاليًا صالة المنزل كورشة، ولكنها تطمح لأن تكون لديها ورشة مستقلة لإنجاز أعمال أكبر وأفخم، إلا أنها تتغلب الغنام على هذه التحديات بالعزيمة وحبها لعملها، وهذا الشغف يظهر جليًا في تطور أسلوبها الفني، وتطمح إلى تحقيق إنجازات أكبر في الديكورات والمجالس، حيث تفضل العمل على القطع الفنية الكبيرة.
أما عن الرسالة التي ترغب في إيصالها من خلال أعمالها الخشبية، فهي بسيطة وعميقة في آن واحد: “إذا كنت تمتلك أي حرفة حبها كما تحب نفسك وتفنن في إتقانها فإنها تُشعرك بسعادة وتُسعدك” كما أن طموحاتها المستقبلية تركز على تحقيق حلمها بامتلاك ورشة خاصة بها لتعمل فيها.
لم تقتصر إنجازات الغنام على فن الخشب فقط، فهي حاصلة على شهادة في السجاد من هيئة التراث، وشهادة رواد الأعمال في فنون الطبخ، كما شاركت في فعاليات متعددة لعرض وبيه أعمالها الخشبية، منها ليالي خيمة جواثا، أيضًا لديها سبع مشاركات في العثيم مول ضمن فريق نادي حكاية التطوعي، ومشاركة في جبل القارة تبعًا لهيئة التراث (ليوان).
في ختام حوارنا، قدمت مريم الغنام نصيحة ذهبية للمبتدئين الراغبين في تعلم فن قص ونحت الخشب بأن يتقدموا إلى ورش الخشب والنجارة، إنها فنانة لم تكتفِ بتحويل الخشب إلى فن، بل حولت شغفها وعزيمتها إلى مصدر إلهام لنفسها وللآخرين، لتظل قصة نجاح ملهمة في عالم الإبداع الحرفي.