أقلام

العَالم يُشاهد من خلف زجاجة

أمير الصالح

كيف يمكنك أن تبهر العالم؟ وبماذا يمكن لمجتمعك أن يبهر العالم؟ بعض الأشخاص / المجتمعات يبهرون العالم بدقة عملهم، وجميل ابتكاراتهم، وجودة أعمالهم، ولطيف حلولهم، وأناقة مساكنهم، ونظافة مدنهم، ودوام انضباطهم.

كما أن بعض الأفراد يبهرون العالم بقوة منتجاتهم، واحتراف أعمالهم، وجميل أصواتهم، وسرعة بدهيتهم، وقوة قريحتهم، ومستوى وعيهم، ولطيف إدارتهم للأزمات، وتماسك خططهم. وهناك مجتمعات تبهرك في قوة تعاضدهم وتلاحمهم وتوادهم، والتحشيد للمآتم والاحتفالات، وصلابة الدفاع وتدارس الأحداث التاريخية للاتعاظ والحكمة، وكبير اهتمامهم بعقائدهم وقوانينهم وأفراد أسرهم، وعفة نسائهم، وحيوية شبابهم. وهناك مجتمعات تبهرك بمستوى الكرم والبذل والعطاء والسخاء والجود. وكل ذلك يُوَثَّق باعاباره محتوى رقميًّا ومقاطع فيديو ومقالات وتغطيات صحافية، وقد تُبث أو لا تُبث تلكم المحتويات في بعض مواقع النشرات الإخبارية. إلا أن المؤكد بأن التوثيقات في الإعلام غير الرسمي والموازي مثل اليوتيوب والبث المباشر فيه، والسوشل ميديا أضحى عدد مشاهديها يتجاوز مشاهدي معظم القنوات الرسمية في بعض بقاع العالم!

شخصيًّا أفتخر كمسلم بالصور الجميلة المتداولة عبر شاشات الجوالات لنجاح إدارة المواسم الدينية في الحج والعمرة، والزيارات للأماكن الشريفة؛ وكذلك شخصيًّا أفتخر بتدوينات وتعليقات بعض السياح الأجانب وتغريداتهم عن الأمن والأمان في دولنا الخليجية. إلا أنه مع شديد الأسف نرى عددًا كبيرًا من رواد العالم الرقمي يحطمون قلوب الصالحين بألفاظهم المتدنية اللاذعة، وتفننهم في استعراض صور مبتذلة، وتصوير ونشر الانزلاقات الأخلاقية، وتوثيق ارتكابهم الجرائم والتعدي على الناس، وهتك خصوصيات العباد والتحرش بخلق الله.

ما أزال أتذكر في بداية انطلاق تطبيق PowerPoint، أننا نبهر الجميع في أرجاء الأرض بإمكانات ذلك التطبيق في عرض شرائح وجداول وصور ومقاطع والمساهمة الفعالة في إيصال الأفكار وانعكاس الأرقام بسلاسة. اُعْتُمِد توظيف ذلك التطبيق على نحو رسمي ومعتمد لدى كل الشركات والمؤسسات وحتى مؤسسات الأعمال الخيرية والأهلية عند انعقاد أي اجتماع.

عولمة السلوك الصالح

مع أن العالم الرقمي يعج بالمعلومات المتدفقة كالسيل وبالعلوم النافعة والأبحاث الرصينة والمواد المختلفة، إلا أنه مع شديد الأسف يغزو عقول عدد كبير من الشباب حول العالم الفراغ العاطفي والشعور بالتجمد من التفاعل الإيجابي في الأمور النافعة. وطغى في الوقت نفسه بالعالم الرقمي من قبل الأشرار الترويج للشذوذ والمجون والخلاعة والسفاسف والتفاهة وقصص الجرائم المروعة والأخبار السلبية السيئة. حتى أنك تتساءل: هل انحسر -حد التصفير – تداول مقاطع العلوم النافعة والقصص التحفيزية وعلوم الفطنة ونقل الخبرات النافعة حد اللمم؟

أنصح بمشاهدة وثائقي من قناة DW بعنوان: هل يتلاعب الإنترنت بمشاعرنا؟

الخطاب الراشد

في عصرنا الحاضر هناك صفات وعناوين كالشجاعة والصبر والإيمان والعزيمة والإخلاص والتفاني والتضحية والصبر تتجسد في أفراد ومواقف وأحداث تاريخية ملهمة. من جميل الطباع عند عدد يعتد به هو تعاهد إحياء تلكم الأحداث في أرجاء العالم بالمتاح من الإمكانات لأنها تحيي روح أصحاب المُثل العليا في وجدان الأجيال. فبدءًا من مروءة بني هاشم ووفاء أبي طالب وأخلاق وبلاغة محمد (ص) وشجاعة علي (ع) ومرورًا بحلم الحسن (ع) وتضحية الحسين (ع) ومناجاة علي بن الحسين (ع) وعلم محمد بن علي (ع) وفقه جعفر (ع) ونزاهة الكاظم (ع) وحتى أمل النجاة (ع.

وعليه أضحى منبر الوعظ الرقمي عليه مسؤولية كبرى، ولا سيما مع سعة انتشاره، وتمدد جمهوره التي تجاوزت أرقام الحضور من المنبر الواقعي بأضعاف مضاعفة. وعلى أهل القلم والمنبر مسؤولية تاريخية وواجب إنساني وأخلاقي واجتماعي في إبراز وترسيخ وتحفيز الآخرين على التمسك بالقيم الإنسانية العليا، وحسن السردية، والتمييز في العرض، وشد انتباه الجمهور. كما أن هناك مسؤولية فضح وسائل الذئاب البشرية والدهاة الخبثاء الذين لا يسأمون في سعيهم لتمريغ كرامة الإنسان في وحول الرذيلة والفسق والمجون وعبادة المال، وهدم الأسر، وتفكيك المجتمعات، وترويج المخدرات.

الإعداد الجيد قبل الطرح

هناك مجاميع ومجموعات يتلاعبون عبر العالم الرقمي بأفكار ومعلومات الأجيال الصاعدة عبر الاستفزاز تارة وعبر المغالطات تارة أخرى وعبر الصور المزورة وعبر المونتاج المتلاعب به. وهذا وذاك يمرر بهدف تشويه سمعة أبناء دين أو طائفة أو منطقة معينة وإقصاءهم أو نبذهم. ولمن يتصفح بعقل رشيد يرى مدى قوة وتأثير مواقع المعادين للإسلام والمروجين الإسلاموفوبيا. شخصيًّا أحمل كل من يتكلم باسم المجتمع أو العقيدة عبر المنابر أو التيك توك أو السوشل ميديا المسؤولية الكاملة وتبعات الانطباعات التي يتركها في نفوس الآخرين. فإن كان ما يُطْرَح حسن المأمون ونافع الأهداف فإني أعد له؛ وإن كان ما يطرحه أو يقوله أو يصنعه من قول/ فعل سيئ أو شنيع أو مُحرض أو مغالط، حتى لو تم تلبيسه بلباس الدين أو لباس العادات أو لباس أحدث الصيحات، فإني أتنصل وأتبرأ من ذلك الصنيع وأستنكره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى