صمود الصحافة الورقية

أمير بوخمسين
الصحافة بمعناها الشامل لعبت دورًا مهمًا في حياة الناس على كافة المستويات، ولعبت صاحبة الجلالة دورها الوطني على الوجه الأكمل، وأكدت على دورها الأصيل كقاعدة أساسية تنطلق منها هموم المواطن عبر إيصال صوت الشارع لأصحاب القرار، إضافة لنشرها الوعي والمعرفة في مختلف المجالات، وتسهم الصحافة إسهامًا كبيرًا في صناعة القرار منذ القرن التاسع عشر. شهدت الصحافة تطورًا كبيرًا مع ظهور الصحف اليومية والأسبوعية، وأصبحت الصحف مصدرًا رئيسًا للأخبار والمعلومات للملايين من الناس.
تطوّرت بعد ذلك تقنيات الطباعة والتصميم، مما أدى إلى تحسين جودة الصحف، ولم يقف هذا التطور عند هذا الحد فبعد ظهور الإنترنت بدأت صحافة أخرى غير تلك الورقية تظهر.
ظهور الصحافة الإلكترونية أحدث ثورة في مجال الإعلام والصحافة، حيث يمكن أن تصل الأخبار والمعلومات إلى الجمهور بشكل أسرع وأوسع. وتصل الأخبار والمعلومات إلى الجمهور في جميع أنحاء العالم. وأن يشارك الجمهور في النقاشات والتعليقات على الأخبار والمعلومات.
ومع ظهور الإنترنت والصحافة الإلكترونية، بدأت الصحافة الورقية تواجه تحديات كبيرة. ووجدت الصحافة الورقية نفسها أمام مواجهة مباشرة مع التطور والتقدم التقني المتسارع، الذي يتيح للقارئ الحصول المجاني على المعلومة، في ظل ظهور جيل جديد لم يعتد التعامل مع الورق، وفقدت الصحافة الورقية الجزء الأساسي في عملية نشر المعلومات وهو السبق الصحفي، الأمر الذي جعل التنافس مع الصحف الإلكترونية صعبًا، واختلف عدد من الإعلاميين حول صمود أو انهيار الصحافة الورقية في ظل هذه الثورة التقنية المتسارعة التي يشهدها العالم. فريق رأى أن المستقبل للصحافة الإلكترونية وحدها، وآخرون يرون أن الصحافة الورقية ستصمد وستنجو، ملوحين بما يميز الصحافة التقليدية من مصداقية ودقة ومسؤولية في نشر المعلومة، ويؤكدون على قدرة الصحافة الورقية في استيعاب هذا التطور، مستندين على عدة عوامل يرونها من وجهة نظرهم مقنعة، يرون أن الصحافة الورقية توفر تجربة قراءة فريدة ومميزة، بحيث يمكن للقارئ أن يلمس الورق ويشعر بالخصوصية أثناء القراءة. ويمكن للقارئ أن يحتفظ بالصحف والمجلات كمرجع أو للاستمتاع بقراءتها مرة أخرى.
الصحافة الورقية يمكن أن تساعد على التركيز والانتباه بشكل أفضل، حيث لا يوجد تشتت كالصحف الإلكترونية، وذلك من خلال وجود الإشعارات والروابط.
ولا تعتمد الصحافة الورقية على الاتصال بالإنترنت، مما يعني أن هناك خصوصية وأمان أكبر للقارئ. إضافة الي أنها ربما تكون جزءًا من التجربة الثقافية، تعكس ثقافة المجتمع واهتماماته.
والكثير من المزايا التي تبقي خيار الصمود الورقي في ظل هذا التقدم التقني قائمًا، وبالعمل الجاد ووضع كل هذه التحديات موضع الدراسة والتحليل والابتكار بالاستفادة من ذات التكنلوجيا في صناعة الصحف الورقية، يعزز من بقاء الصحافة الورقية في المشهد، حيث لا تزال هناك العديد من أمثلة ونماذج للصحف الورقية التي تمكنت من الاستمرار والازدهار. مثل “نيويورك تايمز” و”الجارديان” و “الشرق الأوسط” و “الأهرام” ركزت على تحسين جودة المحتوى، بتقديم تغطيات عميقة وتحليلات مختصة، مما جعلها تظل جذابة للقارئ.
العديد من الصحف بدأت بتقديم محتوى متنوع، يشمل الثقافات والفنون والعلوم، إضافة إلى الأخبار السياسية، مما جذب فئات جديدة من القراء. واستخدمت التكنولوجيا لتحسين تجربة القراءة على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، مع الحفاظ على النسخة الورقية. وقدمت بعض الصحف خدمات إضافية، نظمت الأحداث الثقافية، والدورات التعليمية، مما ساعد على خلق مجتمع حول الصحيفة. إن الاهتمام بمثل هذه الافكار يمكن الصحافة الورقية من التكيف مع التغيرات في عالم الإعلام، والاستمرار في تقديم قيمة للقارئ عبر تحسين أساليبها وتلبية احتياجات الجمهور.