أقلام

الديانات والطقوس ورسائل خالدة

أمير الصالح

قال بعض علماء الاجتماع، ” إذا بكت امرأة واحدة بمنزل ما، فهذا علم النفس … وإذا بكين ثلاث نساء في منزل ما فهذا علم الاجتماع “. توظيف علم النفس وعلم الاجتماع يحتاج لقراءة المشهد وإحصاء النسب وتحليل الأسباب وطرح المعالجات. فإذا النسب المسجلة في تزايد، فإن ذلك يخرج من إطار موضوع خاص بالشخص إلى إطار موضوع عام بالمجتمع. بعد قراءة كتب عدة مثل:

١-مهزلة العقل البشري لعلي الوردي

٢-التخلف الاجتماعي مدخل إى سيكولوجية الإنسان المقهور للدكتور مصطفى حجازي

٣-حيونة الإنسان لممدوح عدوان

وكتب أخرى، ومشاهدة بعض الأفلام الوثائقية عن بعض الانشطارات الفكرية المتطرفة يمينًا ويسارًا، مثل:

الحشاشين،

بوابة الجنة الأمريكية،

جماعة القربان وغيرها من الجماعات،

روح السماء المسيحية،

ضحايا لعبة الحوت الأزرق الإلكترونية،

وفرق عدة شواهدها كثيرة جدًّا جدًّاّ.

وجدت انزلاقات فكرية خطيرة داخل بعض المجتمعات والجماعات وأجزاء من الفِرق تبدأ بفكرة ساذجة بسيطة مغلفة بأدوات مختلفة من علم الكلام ( الاستحسان والتسماح في السنن وسد باب الذرائع)، وتوظيف مغالطات منطقية. ولكن خلف تلكم الفكرة عقل خطير فتنتج كوارث إنسانية وسيطرة عقل على مجاميع بشرية بائسة.

في البداية، قرأت أكثر عن الأديان وخلاصة الأفكار المنسوبة للأديان وفرقها. وأستعرض هنا بشكل مُلخص وموجز بعض تلكم القراءات في الأديان.

التصنيفات عن الأديان واللا أديان المنتشرة حاليًّا في الأرض هي: الإسلام -المسيحية – اليهودية – الهندوسية – البوذية – السيخية – البهائية – الطاوية والشنتوية – الزرادشتية – الكونفوشيوسية – الروحانية – الماسونية – اللادينية – الإلحاد.

سأسلط بشكل مبسط بعض الضوء على أمثلة بعض الديانات:

ا- الديانة المسبحية تؤمن بأن هناك إله واحد متشكل من أب وابن (رسول الله عيسى(ع) )، وروح القدس كثالوث العبادة وطوائفها ثلاث ( الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية) ولها كتب صنفت مثل كتاب العهد القديم والعهد الحديث وكلها تسوق للغفران والمحبة بين أتباعها، ولأتباع الديانة صراعات تاريخية أشهرها الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش. وهناك طقوس تعقدها كل فرقة من الفرق الثلاث تعبر عن رمزية صلب اليسوع لتكفير عن ذنوب أتباع الديانة والخلاص والمعمودية (طقوس دخول المسيحية) والتناول المقدس (رمزية جسد المسيح ودمه).

ب- الديانة الإسلامية تؤمن بأن هناك إله واحد و هو الله جل جلاله وأن خاتم الأنبياء هو النبي محمد (ص) والكتاب المُنزل من الله هو القرآن المجيد، ويسوق القرآن لأفكار التوحيد والنبوة والعدل وتزكية النفس والمال، وتجنب الأخطاء والرذائل، ونشر المحبة والسعي لتطيهر النفس من الغواية واللسان من فاحش الكلام والعين من الخيانة. وطوائف المسلمين عدة أشهرها السنة (الحنفي/ المالكي/الشافعي / الحنبلي/ الصوفية وطرفها المتعددة) والشيعة ( الاثنا عشري/ الزيدي / الإسماعيلي) والأباضية. وداخل كل طائفة فرق مختلفة ببعض الجزئيات والمفاهيم والقناعات بناء على التفاسير للنصوص القرآنية، أو الآراء الفقهية، أو تفاوت السردية التاريخية narratives، أو بعض الطقوس الشكلية لبعض المناسبات وطرق إحيائها (عاشوراء الحسين (ع) مثالًا).

ت – اللادينية والإلحاد

يسجل التاريخ أن بعض البشر نتيجة لضغوط الحياة أو طلب العيش أو السعي نحو الشهرة يتنصل عن كل مظاهر الدين ليكون غير ديني وبه أصناف عده بتراوح بعضها من الاكتفاء بالإيمان بوجود إله واحد دون التقيد بأية تعاليم أو تشريعات ويصل إلى الإلحاد وهو الإنكار لوجود إله لهذا الكون.

للمزيد من المعلومات عن الديانات، يمكنك الاطلاع على حلقة ” شرح كل الديانات والمعتقدات في ١٠ دقائق”. الديانات.

الانشقاق

قد يحدث الانشقاق داخل المدرسة الفكرية الواحدة من الديانة ذاتها نتيجة تضارب مصالح تارة أو تباين أفكار تارة أخرى أو صراع سلطة ونفوذ. وتارة أخرى نتيجة انزلاق في غلو أو نفور من معتقد غيبي أو نتيجة لتزمت معين. وعليه من الموضوعية أن لا نعمم الحكم عند إطلاقه على جميع أبناء التصنيف الديني الواحد. فهناك من أبناء المسلمين من يستخدم المفخخات بنفسه كلغة حوار مع أبناء دينه. وهناك من يستلذ بمعاقرة ما يحرم عليه أن يشربه وهناك من يسوغ لنفسه بمرارات مختلفة الكذب والافتراء على من يختلف معه.

التهكم والاستهزاء

يتهكم بعض المسيحيين العرب / غير العرب على الحجاج المسلمين ويستهزؤون بطوافهم حول حجر ( بيت الله المعمور) ورميهم لحجر على حجر. ويتهكم اليهود من أتباع المسيح عبر طعنهم في شرف السيدة مريم (ع) ونعت النبي عيسى (ع) بنعوت مخلة بالآداب. ويطعن بعض المسلمين في بعضهم الآخرة تارة بالتهكم على تعابيرهم العاطفية أو أدعيتهم أو أسلوب عزاءهم أو طرق تفجعهم عند إحياء ذكرى استشهاد أحد رموزهم. يستهزئ بعض اللادينيين بصلوات أهل الأديان ويجعلونها مادة لأفلامهم الكوميدية !

التشنيع والتنفير

يُشنع بعض أتباع فرقة ما أو دين ما على أتباع فرقة أخرى أو دين آخر تارة في الطقوس وتارة في الأعمال وتارة في النتائج. فالمسلمون قاطبة ما يزالون يُعانون من إلصاق تهمة الإرهاب لهم ولا سيما مع استمرار معظم الآلة الإعلامية الغربية لهم بذلك. وكذلك ما يزال عدد كبير من المسلمين يعاني من أطراف أخرى من داخل البيت الإسلامي الواحد بسبب التكفير له تارة والتحريض عليه تارة أخرى أو بسبب اتهامه وتشنيع الآخرين عليه في تفسير وتوظيف الآية الكريمة (فما استمتعتم به منهن) حد القذف المتعمد للمحصنات وتارة الكيد له! فضلا عن هذا وذاك تجد حمقى الداخل من بعض المجاميع يهدمون بناء مفكريهم بسوء سلوكهم وأفعالهم سواء عبر الفحش بالكلام أو الفسق في مجالس الأفراح أو التفجع المفرط في مجالس الأتراح.

الغلاة والتطرف

حيثما تذهب سترى غلاة أو متطرفين أو سذج. ولكن هذا التلون ليس نهاية العالم. فبين عابد لمعبود ومفجر لعابد ودور عبادة ومدعي وكالة عن الله على عباده، ضاقت آفاق التعايش في بعض المدن أو المناطق واشتعلت نيران الحروب الاهلية لأولئك الغلاة والمتطرفين يُطرح سؤال: إذا ألغيتم الحوار والمنطق والعقل، ما هو المخرج من وجهة نظركم؟!

لو دققنا جيدًا في رقعة الأرض كاملة، لرأينا اختلاط تارة و تصادم تارة وتشرذم وتقاطع تارة أخرى بين بعض المصالح بين مختلفي الديانات والأعراق والجغرافيا. وعليه من الفطنة والحنكة فهم ما دار وما يدور في فلك هذا الكوكب البشري من سلوك وتعاملات وعقائد وأخلاق وأفكار. وقبل إطلاق أية تغريدة أو كتابة أي تعليق على مقال/ مقطع فيديو / خبر أو نشر أي مقطع في العالم الواقعي / الافتراضي بتطبيقاته المختلفة، اسأل نفسك: هل تريد الإصلاح والهداية لأولئك المختلفين معك في طقوسهم أو عاداتهم أم أنك تريد خلق أعداء جدد لك أو تكوين مساحة عمل مشتركة ؟!

الحوار لغة العقلاء من الأطياف كلها

قد يؤمن البعض وبإيمان يقيني بأن هناك أكثرية صامته وأقلية اُجبرت على الصمت وأقل من القليلة تؤمن بضرورة المراجعة الداخلية، إلا أن ذوي المصالح الضيقة والأنانيين لا يتيحون لأصحاب الفكر البناء مجالًا. فاذا كنت تريد كسب الأجر والتقرب للرب الذي تعبده، ألا تعتقد أن من الفطنة والذكاء إذكاء روح الحوار والإقناع والنقاش العلمي مع الآخرين والآخر بدل كيل الشتم والقذف والسباب والتهديد الصوتي !! ثم إنه وكما تم العرض الموجز فإن هناك طيف كبير جدًّا من البشر يختلفون في جملة من الأمور ويشتركون في جملة أخرى، وعليه هناك شوط طويل جدًّا لحصد الحسنات لمن أراد تسويق الهداية للآخرين عبر الحوار الرصين والنقاش الهادف.

وختامًا، أستشهد برسالة تاريخية موجزة موجهة من الحسين بن علي (ع) إلى محمد بن علي: ” أما بعد، فكأن الدنيا لم تكن، وكأن الآخرة لم تزل، والسلام”. جملة هي خلاصة الخلاصة، وما أدقها من وصف. هذه الدنيا بكل زينتها وما بها من أموال ومراتب ومكاسب ومناصب ووجاهات ونفوذ وتفاوت سلطة، هذه الدنيا التي تتنوع وتتعدد فيها الظلامات، فيتقاتل فيها الناس من أجل حفنة من المال، وتسلب الحقوق بالطمع وتُخرب البيوت بالحسد، هذه الدنيا اختزلها الإمام عليه السلام وكأنها لم تكن، واضعًا إياها في حجمها الحقيقي. وأما الوجود الأزلي الذي لا أمد ولا نهاية له فهو في الآخرة وكما يعتقد به كل أصحاب الديانات الكبرى والمؤثرة، والصادق في ايمانه هو من يحسن بأعماله وأقواله ويتجنب الفحش من الكلام والأفعال والسلوك حتى في العالم الرقمي وفي خلواته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى