أقلام

الفروقات الفكرية بين التمييز والمناكفات – الجزء الأول 

أمير الصالح

تمهيد

” يُحكى أن : طرق “الخوف” باب احد البيوت، فنهضت “الشجاعة” لفتح الباب. وعندما فتحت “الشجاعة” الباب لم تجد أحدًا عند الباب “، يُنسب هذا القول للمفكر الألماني جوته. ومضمون القول أن الشجاعة الموضوعية عندما تواجه الخوف والتردد والبذاءة والإسفاف والتشكيك ولغة اللعب بالمفاهيم ستجلي أمور عدة وتكنس العبث في روح الفكر الأصيل والإيمان والاطمئنان والأخلاق.

مقدمة

الغالب الأعم من الناس، منذ الصغر لعبوا لعبة ” أوجد الفروق السبعة في الصورتين ” ! البعض وظف مهارة التميز تلك في إيجاد الفروق لتشخيص العلل ومحاكاة التصماميم وتطوير الإبداع وصنع الأكثر كفاءة في حياته العملية والمهنية. وفي المقابل ومع شديد الأسف، وظف البعض الآخر تلكم المهارة في صنع المقارنة البائسة وتسقيط الآخر أو التشنيع عليه أو الإساءة له أو الكيد له أو استفزازه أو التهجم عليه في معتقده وآرائه ورؤيته ووجهة نظره.

المناقشة

يعيش غالبية الناس في مجتمعات ذات مكونات مختلفة المذاهب وأحيانًا مختلفة الأديان، وعليه لا بد من فهم المحيط البشري وكشف المغالطات لخلق أكبر قدر من التفاهم ومنع أي اختراق لهذا أو ذاك المجتمع وإعلاء سور الوحدة بين أبنائه. أعرض أمثلة عن بعض المغالطات في بعض المفاهيم والفروق في بعض المجتمعات الإسلامية:

١- الفرق بين التقية والنفاق،

التقية هي حالة اضطرارية قد يلجأ الشخص المؤمن بمعتقد صحيح بممارسة رخصة شرعية في إظهار خلاف ما يعتقده لدفع الضرر الجسيم عن نفسه إذا خاف على نفسه ودمه وعرضه أو ما شابه الضرر. ومنبع هذا الجواز والرخصة هو قول الله تعالى في القرآن الحكيم ( لا يتخذ المؤمنون …..إلا أن تتقوا منهم تقاه). إلا أن بعض الجهات التي لا تؤمن بهكذا تفسير للآية الكريمة وفي بعض المناطق ألصق تهمة النفاق وهي صفة مذمومة بجماعة أو اتباع مدرسة فكرية معينة بهدف الكيد والتشنيع والتسقيط والمكايدة دون أية موضوعية وتأمل للآية القرآنية الكريمة، مع أن النية هي حفظ الأرواح وتجنب القلاقل والتعالي عن مصالح ضيقة صرفة واستقرار الأمن الاجتماعي. ومع أن سبب نزول الآية الكريمة معروف لدى جميع الأطراف، إلا أن الفجور في الخصومة المفرط بلغ لدى البعض حد معاندة الدليل القرآني أو حمل الآية على وجوه أخرى. قديمًا قيل على لسان Sun Tzu ” الشجاع الحكيم هو من يتجنب المتاعب “.

النفاق هي عملية خداع انتهازي يتمظهر فيه المنافق بمظاهر عدة متناقضة مع قناعاته من أجل بلوغ مصالح وجني مكاسب مادية وغير مادية واستغلال مراكز، وهدم ثوابت واختراق جُدر وإحداث شِهرة وتبوء مناصب. أي أن النية حصد مصالح دنيوية صرفة.

أتمنى أن اكون وفقت في إظهار الفروق بين من يتقي شر الأشرار ليحافظ على روحه من منابع الأخطار، وبين من يتلون ويتملق للآخرين ليصل إلى مبتغاه، ثم يهدم ويستبد أو يُظل الأخرين ويفسدهم.

٢- الفرق بين العلاقة الشرعية (النكاح) والعلاقة غير الشرعية (الزنا):

قال البعض من أصحاب المناكفات اللغوية والأفكار الشيطانية بأن العلاقة الجنسية بين الرجل وللمرأة تصنف بأنها اغتصاب أو اعتداء في حالة ما إذا كان احد الأطراف غير راغب بها حتى لو كان زوجها، وما سوى ذلك فلا مانع منه كالمساكنة والارتواء العابر وبيوت المناطق الحمراء؛ لاغين ومتجاوزين بذلك مفهوم العلاقة الشرعية القائمة على الوضوح والإشهار وبذل المهر والتجهيز وحفظ الأنساب وطهارة الفروج والاستقرار والالتزام بتبعات ومسؤوليات تلكم العلاقة من ابناء أو شروط أو حقوق أو تنازلات.

الزواج هو ارتباط وعلاقة بين رجل وأمرأة ضمن إطار شرعي وصياغة قانونية معلومة الحدود والالتزامات والنفقة والمهر والمؤخر. قد يؤطره البعض ضمن اشتراطات تفصيلية متعددة ومتفاوته أخرى مثل التنازل عن حق المبيت أو توفير السكن أو إسقاط النفقة أو تحديد المدة أو تفادي الإنجاب أو إكمال دراسة أو مزاولة مهنة بظروف معينة أو تزويد أجهزة نقل واتصال محددة.( إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) سورة النساء، آية 24، صفحة 82 هو ما ورد في كتاب الله في هذا الصدد. وبذلك لا يحق لأي شخص يدعي الموضوعية والتقوى والإيمان التشهير بزواج المسيار، المسفار، المطيار، الويكند، المتعة، لكون قراءته الفقهية الدينية تختلف مع شخص آخر طالما مبناها مُستخلص من آية قرآنية ومباني فقهية واضحة ولها مستند. فكما أعطيت لنفس كمؤمن الحق في استنطاق الآيات وتوظيفها في هذا المجال، كذلك للآخرين الحق نفسه. وإلا عد ذلك من أعمال وسنن استبداد فرعون كما ورد في القرآن الكريم ( قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى‏ وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ) سورة غافر، آية 29، صفحة 470.

العلاقة الأئمة هي علاقة بين رجل وأمرأة أحرار وعقلاء وبالغين ضمن لذة وشهوة ونزوة عابرة من دون أي مسوغ شرعي في نطاق أي تشريع وبمقابل أو دون مقابل مالي/ منافع / مصلحة. قد يؤطر البعض تلكم العلاقة بأنها حرية فردية (حرية البهائم جنسيًّا كما يسميها البعض) أو حرية قانونية مدنية (مساكنة) وكل ذلك حتمًا سيولد هدم بناء الأنساب وهتك الأسر وانتشار الأمراض والرذيلة وهدم القيم واسترخاص العفة وامتهان الكرامة الإنسانية وضياع الأخلاق وكثرة أبناء الحرام. (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا) سورة الإسراء، آية 32، صفحة 285 هو ماورد في كتاب الله لتحذير من ذاك الفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى