آن الأوان لنعيد صياغة الحلم

أمير بوخمسين
في عالم يتسابق فيه الجميع نحو الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والمدن الذكية، لا يزال كثير منا مشغولين بعلوم أخرى دون أن نصحب هذا التطور في العالم. حيث نقضي الساعات والأيام ونقيم الليالي و الأسابيع، وننظم الورش والندوات في العلوم الأخرى، نلاحق الكلمات هنا وهناك، دون أن نقف وننظر إلى أين وصل العالم في التطور، وإلى أين يسير، لا بأس بهذه العلوم، فالعلم كله حياة، ولكن المبالغة في تمجيد علوم أخرى مقابل تجاهل العلوم والتقنية، يُبقي هذه الأمة عالقة بين أطلال الماضي وأوهام المجد.
لقد حصد العرب الجوائز الأدبية بوفرة، وامتلأت القاعات بقراءات شعرية واحتفاءات سردية، ولكن في المقابل، كم عدد براءات الاختراع المسجلة باسم علماء عرب؟ كم عدد التطبيقات أو الصناعات التي خرجت من جامعاتنا إلى السوق العالمي؟ كم مخترع عربي نحتفي به؟. بينما نرى أن الكثير من الشعراء والرواة .. العيب ليس في الأدب ذاته، بل في اختلال الأولويات، حين يعامل المبرمج أو المخترع وكأنه موظف تقني دون بريق.
في الجامعات العربية، تنفق الميزانيات على كليات الإعلام، الآداب، والعلوم الإنسانية، بينما تترك أقسام الحوسبة والفيزياء والهندسة، تكافح بالإمكانات القليلة.
نُخرج مئات الشعراء، والادباء والفنانون، ونقرأ آلاف القصص، ثم نتساءل: لماذا لا نصنع سيارة؟ أو لماذا نشتري طائراتنا من الخارج؟ لا نحتاج إلى قطيعة مع هذه العلوم، بل إلى توازن، نحتاج إلى أن نربّي أجيالًا تحب اللغة وتحترم العلم، تقرأ الرواية وتكتب الكود، تتذوق القصيدة وتبتكر الخوارزمية.
إن التقنية ليست ضد الإبداع، بل هي ساحته الجديدة. فالأمم الذكية دمجت بين الجمال والتطور، رواية رقمية، صحافة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، ومكتبات افتراضية. وتتسابق الأمم على من يخترع “شريحة صغيرة”.
حين يغني الشاعر ويغيب المهندس، ستبقى الآلة تتقدّم وحدها، لا تحمل توقيعنا، ولا تعترف بلغتنا. وسنبقى في مقاعد المتفرجين، بينما يكتب غيرنا التاريخ.
لقد آن الأوان لنعيد صياغة الحلم: أن يكون لنا في الجوائز العلمية نصيب، وفي المنافسات التكنولوجية حضور، كما لنا في الشعر قصائد، وفي الرواية أبطال. حيث تعد العلوم الحديثة والتقنية من الأهمية بأن تساهم في تطوير المعرفة، وفي فهم العالم من حولنا، وتقدم حلولًا للمشاكل المعقدة مثل الأمراض والتغيرات المناخية. وتحسين جودة الحياة عبر تطوير تقنيات جديدة مثل الرعاية الصحية والتكنولوجية العلمية لتسهل الحياة اليومية. والدفع نحو الابتكار والابداع في مختلف المجالات عبر التواصل والتفاعل من تبادل الأفكار والثقافات. فالتعاون المشترك بين العلوم الحديثة والأدب والشعر يسهل تحليل النصوص عبر استخدام تقنيات جديدة، وإثراء التجربة الإنسانية بجمع العقل والعاطفة. الصين نموذجاً ففي خطوة ضخمة نحو ” أمة متعلمة” بحلول عام 2035، وجّه الحزب الشيوعي الصيني حوالي 40% من طلاب الجامعات للتخصصات الهندسية والتقنية، واستحدثت الجامعات أكثر من 1900 تخصص جديد، مقابل الغاء 1650 تخصصًا تقليديًا لم تعد تلبي حاجات السوق الحديث.
فالعلوم الحديثة والتقنية والعلوم اللسانية يشكلان جزءا أساسيا من التطور الثقافي والفكري، ويعززان من قدرة الأفراد على فهم العالم والتفاعل معه.