مواهب تشكيلية تنطلق من معرض نقطة

رباب حسين النمر
في موسم الصيف تنشط الفعاليات، وتتركز حول تنمية المواهب الشابة أو إبرازها، ولا سيما في فضاء زمني حر عن القيود وممتلىء بنقاط الفراغ. ومنها المعرض الفني نقطة الذي أقيم في دار نورة الموسى بالأحساء، ويجسد هذا المعرض الفني مبادرة فنية تهدف لدعم الفنانين والفنانات الواعدين وتمكينهم، من خلال إتاحة منطقة لعرض أعمالهم، الإبداعية والتواصل مع الجمهور والمجتمع الفني، ويحتفي المعرض بالمواهب الشابة في بيئة محفزة تعزز التبادل الفني وتبرز تنوع الاتجاهات والأساليب المعاصرة في الفن، وهو مساحة تربط بين الموهبة والفرصة وتسهم في تقديم جيل جدبد من الفنانين إلى الساحة المحلية والعالمية.
في جولة ماتعة ومتفحصة بين اللوحات والشروحات المكتوبة طالعتني أسماء ثمانية وعشرين اسمً فنان تشكيلي وفنانة، هم: أثير الشلقان، انوار الغافلي، حسن الأصمخ، روز حماد، فؤاد البراهيم، منيرة السليم، لبابة الجرناوي، عزة الأسمري، هدية الوايل، عبير الشهري، منى المهناء، سمر الحرز، عيسى الرويثي، غدير العتيبي، غدي العمري، مريم البغلي، نور البراهيم، أماني الزبيدي، أمل السادة، رحمة البراهيم، نوف العتيبي، نور الوايل، آية الفهيد، بنين الحسين، زهراء الخضراوي، محمد الحماد، حسين الفرحان، وسارة الحربي. استوقفتني خلال الجولة عدة نقاط وتمثلات.
1- الطبيعة الصامتة:
في حقل الطبيعة الصامتة، أبدعت نوف العتيبي في تجسيد إبريق الشاي الغضار وكوب الشاي الشفاف وكأن الرائي يشاهدها حقيقية أمام عينيه، وجسد حسن الأصمخ بألوانه الزيتية على لوحة كانفاس إبريق شاي سيراميك وفخاريات، وأواني غضار مستوحاة من البيئة المحلية، وأطلق عليها اسم( ضيافة صامتة)،ووصفها المعرض بأنها عمل فني تأملي يمثل دراسة للطبيعة الصامتة وما تجسده الجوامد من قصص ومعاني، حيث تتخلل العمل عناصر من الحياة المنزلية التقليدية، والهوية الثقافية العربية المشتقة من مختلف مناطق المملكة وتحولها إلى تركيبة تحتفي بهدوء الموروث المادي في المملكة، ويلعب تفاعل الألوان والخامات والأقمشة المندسلة دورًا في استحضار الغنى الحسي الذي يعكس دفء الضيافة العربية، وتشير زخرفة الجصة الحساوية للموروث المكاني، والحرفية الجمالية المتجذرة في المنطقة. وجسدت لبابة الجرناوي اللومي الحساوي، وتفاصيله الجميلة، وكونه يشكل مشروبًا صيفيًّا منعشًا استوحته من البيئة المحلية.
أما عزة الأسمري فقد استخدمت المعجون والألوان الزيتية لإبراز الرموز الثقافية (للمصراع) التي تتمثل في الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج، وبين المعلوم والمجهول، فقد كان المصراع في الماضي جزءًا رئيسًا من البيوت القديمة يحميها ويمنحها الخصوصية، ولكنه كان نافذة تطل منها الحياة، وحاجزًا يحمل آثار الزمن، وذكريات من عبروا من خلاله. وتعكس الخامات المستخدمة في اللوحة إحساسًا بالزمن الذي يترك أثره على الأسطح تمامًا كما تفعل الحياة على الذاكرة والوجدان، فاللوحة ليست مجرد تمثيل بصري، بل هي استدعاء للحكايات القديمة حيث يصبح المصراع شاهدًا صامتًا على التحولات والطبقات المتراكمة من اللون والملمس تمثل التجارب والانطباعات التي تنقشها الأيام.
2- الخيل العربي:
وكان للخيل العربي حضور في معرض نقطة، حيث جسدته أثير الشلقان بالألوان الزيتية على لوحة كانفاس، وجعلت منه الضوء الذي يولد في قلب العتمة، ليقف الحصان الأبيض كروح حرة لا تعرف القيود، وهو تجسيد للانطلاق الحي الذي لا يعترف بحواجز الزمان والمكان، فهو ليس مجرد كائن بل رمز للروح التي ترفض الأسر وللحلم الحي الذي ينطلق كريح لا تُلجم. وجسدته كذلك سمر الحرز بألوان خشبية وبان باستيل لتنطلق من تاريخ عالم الفروسية العريق، وما له من مكانة خاصة في الثقافة العربية، حيث تميز العرب والمسلمون بالإبداع في الفروسية، وسجل التاريخ الكثير من القصص والقصائد التي تتغنى بالخيل والفروسية، كما أن الخيل العربي الأصيل يحظى بتقدير كبير في العالم لصفاته الفريدة، وذكائه، وارتبطت الفروسية بالفرسان الشجعان الذين يمتطون ظهور الخيل الأصيلة، ويظهرون مهارة فائقة في القتال والمنافسة.
3- الفضاءات المفتوحة:
وفيما يتعلق بالفضاءات المفتوحة جسد الفنان عيسى الرويثي بألوانه الزيتية على لوحة كانفاس الفضاء الفكري للتجارة في المدينة المنورة وأبرز جمال سوق الداودية بجوار المسجد النبوي الشريف، في عالم يعج والراسمالية هناك سوق الداودية الذي تتجلى به الأخلاق الفضيلة والتعامل بالفضل قبل العدل، وتسمو بين البائع والمشتري الخصال النبيلة ويسود التسامح والألفة والقيم الجليلة. وعكست لوحة أنوار الغافلي التقاء عناصر متعددة منها حيوية المدينة، ضوء الجسر الذي كأنه يقود نحو مستقبل، والهدوء العابر في السماء والحديقة بلمسة الحلم والأمل داخل مشهد حضري مزدحم، كأن المدينة لا تنام ولكنها تحتضن لحظة تأمل نادرة. وقدمت غدي العمري لوحتين متكاملتين باستخدام ضربات فرشاة كثيفة وملموسة تُظهر الطبقات اللونية بتباينها وتراكما وتعكس حركة الأرض وغنى تفاصيل الطبيعة، وتصور اللوحتان مشهدًا من الطبيعة الجنوبية في المملكة تتداخل فيها درجات الأخضر والضوء لتجسيد عمق المشهد وهدوئه.
4- اللوحات التجريدية:
جسدت الفنانة منى المهناء مشهدًا متخيلًا بين رجل وامرأة في لوحة تجريدية شعبية بأسلوب تعبيري، وسط أجواء زخرفية نابضة يحمل بعدًا قصصيًّا طفوليًّا يستلهم الحكايات الشعبية ويجسد الفرح الذي يُروى بالرسم وليس بالكلمات. وعبرت عبير الشهري عن حالة شعورية جسدت فيها مراحل امرأة مرت بها، وخرجت من كل مرحلة من مراحل حياتها بنسخة مختلفة مرتدية ملابس بلون مختلف يرمز لشعور كل مرحلة وإحساسها.
ويختزل المعرض الكثير من المواقف البشرية والتعبيرات الإنسانية يتصفحها الزائر من خلال اللوحات والشخوص الذين يختبئون بداخلها، ومختلف الرموز الناطقة في الحركة واللون والضوء والظل.