أقلام

فلسفة الأنذال في النصب والاحتيال الحلقة الأولى

أمير الصالح

يقول الفيلسوف السياسي الإيطالي نيقول ميكافيللي في كتابة الشهير ” الأمير The prince” “ Men offend those they love sooner than those they fear“ وترجمتها: “ ‏الناس يسيئون لمن يحبون أسرع من إساءتهم لمن يخشونهم”. معظم الناس بتجنبون التصادم مع الإنسان الوقح والصلف والفج والنذل والجلف والعربجي والديكتاتور والمتسلط خشية على أنفسهم من لسانه أو من أفعاله أو من شلته وعصابته؛ ولكن الغالبية لا يتورعون من هتك حرم الله أو إيذاء الطيبين/ الطيبات لأن ردود أفعال الطيبين / الطيبات محمودة العواقب في نظرهم أو مقدور عليها بحساباتهم أو معلومة الحدود والأفق سلفًا أو ممكن التعامل معها ببساطة.

كيف نكتشف حيل أولئك الأوغاد الذين لا يخشون ردود أفعال أفعالنا (الطيبين)، مدعين أنهم أحباؤنا أو منا وفينا أو مثلنا أو في صفوفنا!

هناك عدة حيل يستخدمها الحيالة لبلوغ مرامهم من نهب اموال، أو استقطاب الموظفين البسطاء، أو جلب شركاء استثمار سُذج أو إدخالهم في عقود تملك، أو طلب مساعدة منهم بعناوين عاطفية، أو توريط الشرفاء في مشاكل متعددة أو بيعهم سلع بغبن، وأذكر من تلكم الحيل التالي :

١- مرآة ومحاكاة السلوك للإيقاع بالضحايا: النسخ المتطابق للسلوك حيث يقوم المحتال ينسخ تحركاتك لبناء الثقة بسرعة. يبدأ المحتال بإطلاق سلوكيات تتطابق مع وضعك، أو مفرداتك اللغوية، أو رؤيتك، أو اهتماماتك الفكرية، حتى تشعر بالتواصل والارتياح، ثم يدلس عليك لبلوغ مرامه. وفي الحقيقة إنها علاقة مزيفة.

كيف تكتشف ذلك : غير إيماءاتك ومواضيعك فجأة. إذا قام الحيالة بنسخ إيماءاتك ومفرداتك بسرعة كبيرة، فهذا يدل على أنهم مخادعون وليسوا صادقين.

٢- ادعاء الندرة في تلكم الفرصة/ السلعة: لخلق قرار سريع لديك في مواضع الشراء أو البيع أو التعاقد أو السفر أو … أو … إلخ . فإنه يضغط عليك ويربك؛ كان يقول لك إن المخزون قارب على النفاذ أو أن الوقت محدود لتعجيلك باتخاذ القرار الذي هم نصبوه لك.

كيف تكشف الحيلة: خذ نفسًا عميقًا واطلب دليلًا لصحة ادعاءهم وتمحص الدليل ودقق الأرقام بنفسك. فالعروض الحقيقية في الغالب لا تختفي بهذه السرعة. بعض محللي سوق الأسهم المؤجرين وبعض سماسرة العقار المدلسين يمكن اعتبارهم مصاديق استغلال مصطلح الندرة، فدقق !

٣- المعاملة بالمثل وإن اختلت موازين الكفة: يعطيك / يقدم أحدهم لك خدمات صغيرة لتدين له بالكثير. وفي أحيان كثيرة يقدم احدهم لك عينة مجانية من عطر فتخلق في نفسك شعورًا بأنه يجب عليك سدادها.

كيف تكشف الحيلة: اقبل أو ارفض العينة المجانية أو العشاء/ الغداء/ الفطور المجاني، ولكن لا تشعر بالارتباط وقل شكرًا وانصرف.

٤- إسباغ الألقاب الكبيرة عليك أو الحديث الواثق بمدحك من قبل شخص قليل المعرفة بك، يجعلك أحيانًا تنساق وتطبع في علاقة غير معروفة المعالم والنوايا والخواتيم.

كيف تكشف الحيلة: اطلب من المتكلم الكف عن مدحك المبالغ فيه وغيّر موضوع الحديث.

٥- تحريف واقع غيرك: الكذب وتحريف واقع حال غيرك وإلصاق التهم أو الكيد في حق الآخرين يعمل، اجعله جرس إنذار لك من أولئك الأشخاص، فإنهم سينكرون ما حدث لك لجعلك تشك في نفسك.

كيف تكشف الحيلة: أنت أعرف الناس بنفسك واحتفظ بالسجلات والتوثيق للأحداث التي تقع في حضور أولئك الناس وثق في ذاكرتك.

٦-” اللي يدخل صبعه يدخل يده كاملة”، مثل شعبي: المخادعون يوافقون على طلبات صغيرة ويجاوبون على أسئلة سطحية، ولكنهم يراوغون ويتجنبون الإجابة على الأسئلة الحقيقية العميقة.

كيف تكشف الحيلة: ضع حدودًا واضحة وحضر نفسك جيدًا قبل أية محادثة معهم لكي لا تُساق كالقطيع.

٧- حيلة هرم بونزي الاستثماري: يعد فيها المشغل أو المحتال المستثمرون بعوائد عالية في وقت قصير نسبيًّا. وهو يعمل باستخدام الأموال من المستثمرين الجدد لدفع العوائد للمستثمرين الحاليين/ الاولينً، بدلاً من تحقيق أرباح أو عوائد مشروعة من خلال الاستثمارات الفعلية. يتطلب المخطط عادةً تدفق مستمر من المستثمرين الجدد للحفاظ على نفسه.

كيف تكشف الحيلة : تعرف على الناس المستثمرين الجدد بنفسك وتواصل معهم وتحقق من استردادهم لأموالهم فور طلبها ووثق تواريخ العوائد ومتوسطها وقارنها بالمرود في ذات القطاع وإن كنت في شك أو ريبة أو حدس فلا تنخرط وإن تورطت فاعمل كل ما بوسعك لسحب أموالك بسرعة من أيديهم.

وهناك أمثلة عدة إلا إني أكتفي بهذا المقدار.

عليك أن تميز من هو بحق وحقيق منك وفيك ومحبًّا وفيًا لك، ومن يتاجر بمشاعرك و(يلعب عليك) ويستغلك عبر أقنعة وأردية متلونة. تارة يتحدث بالدين وتارة بالقومية وتارة بالإنسانية وتارة بالوطنية وتارة بالمهنية وتارة بالفئة العمرية وتارة بابتزاز وتارة بعناوين الوناسة والطرب وتارة … وتارة … إلخ .

عزيزي القارئ هناك عدد ليس بالقليل من البشر من تبنى إرشادات وإلهامات وتعاليم الفيلسوف نيقولا ميكافيللي الواردة في كتابه ” الأمير ” بشكل احترافي”؛ وقد تصادف أولئك البشر في الشارع والحي والعمل والمستشفى والسفر والجامع والفندق والمؤتمرات والندوات. فكن حذرًا و فطنًا ونبيهًا.

نقل لي أحد الأصدقاء مثلًا منسوبًا لإحدى القبائل مفاد المثل : ” اللي تعرف ديته، اقتله ” وتوظف معاني هذا المثل من قبل بعض الأنذال ضد الطيبين للنصب والتحايل والنهب وإهدار الحقوق والتسلط على حقوق الآخرين سواء في الإيجار والاستثمار والزواج والتوظيف والقروض والإعارة والاستعارة فقط وفقط لأنه يعرف طبيعتهم الطيبة.

لك أن تتخيل بأن مستاجرًا يتلاعب بحقوق المؤجر ولا يدفع الإيجار، مستغلا ثغرة تشريع تنص على عدم جواز المطالبة بالإخلاء إلا بعد انتهاء العقد! ولك أن تتخيل مستأجرًا يستغل ابنه المعاق لتحصيل أموال إعانات اجتماعية ليصرفها على ملذاته الشخصية !! ولك أن تتخيل مالك مشروع يحجب راتب موظف لديه أو يسوف صرف حقوقه لأنه طيب، ولك أن تتخيل أخًا يأكل حق أخيه لأنه طيب … ولك أن تتخيل .. ولك أن تتخيل …

ختامًا، ميكافيلي أبدع في صياغة شبه قوانين بشرية متعددة، فبعضها وظف من قبل البعض للسيطرة والتحكم في البشر، وبعضها تم توظيفه للاستحواذ والتمكن وبعضها تم توظيفه للنذالة والسطو والغش والتدليس والمراوغة. كن طيب ولكن لا تكن ساذج وثقف نفسك حتى لا يخدعك طلاب مدرسة بونزي أو اتباع ميكافيلي( The prince) أو أنصار قوانين روبرت جرين (٤٨ قانونا للقوة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى