حين تلتقي خطى الزائر بميقات الظهور

أحمد الطويل
مقدمة:
في كل خطوة نحو كربلاء ينبض قلب المؤمن، وفي كل لحظة بعد الزيارة يشتعل نور يغير حياته. رحلة قصيرة في الزمان، ولكنها عميقة في الروح، تحمل أسرار الانتظار والنور الأبدي. فكل خطوة على تراب كربلاء ليست مجرد أقدام تتحرك، بل نبض حياة يرتبط بخطى الحسين عليه السلام، حيث يمتزج الصبر بالإيمان، وتتفتح أبواب القلب للنور الذي لا ينطفئ، نور يهيئ الزائر ليكون جزءًا من حركة انتظار الإمام المنتظر عليه السلام.
رحلة النفس بعد الزيارة: شعلة لا تنطفئ
بعد أن انتهت رحلة الأقدام الطويلة صوب ضريح الإمام الحسين عليه السلام، لا تنطفئ حرارة القلب، بل تزداد اشتعالاً. كل ذكرى، كل دمعة، وكل دعاء صادف الزائر، تصبح جزءًا من روحه، تُغرس في داخله قيم الانتظار واليقظة، وتزرع خريطة للنور الذي يترسخ في حياته اليومية. الرحلة هنا لا تقف عند حدود المكان، بل تمتد في الزمن، لتصبح روح الزائر جسرًا بين زمن عاشوراء وزمن الظهور المنتظر، حيث كل لحظة من نورها دعوة للعمل والصبر والثبات على الحق.
الإمام الحسين ومهد الظهور
الإمام الحسين عليه السلام لم يكن رمزًا للثبات على الحق فقط، بل كان مؤسسًا لنهج الانتظار الذي سار عليه جميع الأئمة من بعده. خطواته في كربلاء لم تكن لمناسبة تاريخية فحسب، بل كانت تأسيسًا لحركة انتظار الحق والعدل التي تنتظر ظهور الإمام الحجة عليه السلام. كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في وصف جده الحسين أنه “مصباح الهدى وسفينة النجاة”، وهو وصف يكشف عن أن زيارته تنير القلوب وتفتح دروب الهداية، فيكون الزائر أقرب للثبات على الحق، وهو المعنى الذي ينسجم مع روح الانتظار المهدوي الذي أشارت إليه نصوص كثيرة.
الأربعين: زمن الانتظار والنور
الأربعين ليست مجرد زمن مضى، بل تجربة روحية حية، رحلة إعداد النفس للقادم العظيم. في هذه الأيام، تتجدد العهود، ويترسخ الحزن على الظلم، ويكبر الحب للحق في القلب. الزائر الذي يمشي في موكب الأربعين، لا يسير فقط على طرقات كربلاء، بل يسير على درب الأئمة الذين كانوا يحضّرون الأمة للظهور المنتظر. كل خطوة، كل دمعة، وكل دعاء هو تمرين روحي لتقوية الصبر والإيثار، وتجهيز القلب ليكون جزءًا فاعلًا في حركة انتظار الحق، مستلهمًا من الحسين قيم التضحية والخدمة والوفاء.
الآثار الروحية والإنسانية للزيارة
عودة الزائر من كربلاء لا تعني نهاية الرحلة، بل بداية حقيقية. يعود نور الحسين يملأ قلبه، فتتغير حياته كلها. يصبح العطاء دون انتظار مقابل عادة يومية، ويصبح نشر الحب والحق واجبًا دائمًا، وتتحول خطواته اليومية إلى امتداد لخُطى الحسين والأئمة، ناشرة للحق والعدل، راسخة لثقافة الانتظار في كل مجتمع.
تشير مضامين بعض الروايات إلى أن من زار الحسين عليه السلام بإخلاص، تجدد في قلبه العهد مع الله وأوليائه، وهو المعنى الذي يجعل قلبه أكثر استعدادًا للتعلق بقيم الظهور والعدل الإلهي.
قال الإمام الرضا (عليه السلام): إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة
ولا يقتصر أثر الزيارة على الروح فقط، بل يشمل البركة في العمر والرزق والأهل، وتثبيت القلب في مواجهة الظلم، والقدرة على تحويل كل تجربة يومية إلى فعل صالح يعكس نور كربلاء.
الخلاصة:
زيارة الإمام الحسين عليه السلام ليست مجرد حدث عابر، بل مدرسة روحية وعملية تعلم الإنسان الانتظار والعمل لأجل الحق. النفس التي استقبلت النور في كربلاء لا تنطفئ، بل تصبح شعلة مضيئة في عالم يحتاج للعدالة والنور. كل خطوة على تراب كربلاء، كل دمعة ودموع الزائرين، وكل دعاء، هو جزء من حركة مهدوية عظيمة، تنتظر ظهور الحق والعدل في زمانه. إنها رحلة قلب تتجاوز الأقدام، وتحول الزائر إلى نور يمشي على الأرض، متجذرًا في قيم التضحية والإيثار والإخلاص، وجاهز ليكون جزءًا من حركة انتظار الإمام الحجة عليه السلام.
اللهم اجعلنا من الذين أدركوا نور الحسين عليه السلام، وثبت قلوبنا على حب الحق ونصرة المظلوم، ووفقنا لتطبيق ما تعلمناه من زيارته في حياتنا اليومية، وامدد لنا في فهم رسالة الانتظار والعمل لأجل الحق، واجمعنا بأهل البيت في جنات النعيم، تحت لواء جدهم المصطفى ﷺ، في رضاك ورضوانك.