هل نحب الماركات .. أم الماركات هي اللي تحبنا؟

زكي الجوهر
نشتكي من غلاء المعيشة وننتظر “زيادة الرواتب” كأنها العصا السحرية… ولكن الواقع يقول: المشكلة غالبًا في عادات الصرف، وليس في مبلغ الصرف. والدليل؟ أسبوع واحد في السعودية يسجّل إنفاقًا بنقاط البيع يصل إلى 15.6 مليار ريال—يعني الناس ما تزال تشتري وبثقة، خصوصًا في المطاعم والمقاهي والملابس!
الحكاية بسيطة:
• حلاق بـ10 وحلاق بـ95… النتيجة شعر قصير في الحالتين، ولكن الفرق في “الكرسي الذهبي”.
• ثوب بـ150 وثوب بـ1100… الفارق الحقيقي على “ستوري” السناب، وليس في القماش.
• كوب شاي بريالين وآخر بـ40… كلاهما شاي، ولكن الثاني “قابل للوسم”.
• كيلو سمك تقليه في البيت بـ45، وفي المطعم بـ650… الفرق موسيقى وديكور.
• جوال بـ1200 وجوال بـ5900… الرسالة والصورة نفسها، لكن “الهيبة” أغلى.
لو كانت المشكلة فقرًا محضًا، ما وجدنا الإنفاق على المطاعم والمقاهي يقفز أسبوعيًا ضمن أعلى القطاعات نموًا، وعدد العمليات يتخطّى 244 مليون عملية في أسبوع واحد. هذا سلوك استهلاكي نشِط، لا سلوك محافظ يشتكي قلة ذات اليد.
طيب .. وش دخل “جودة الحياة” هنا؟
رؤية 2030 لم تأتِ لتقول “اصرف أكثر”، بل لتفتح لك بدائل أذكى: رياضة، حدائق، ثقافة، مواصلات، فعاليات شعبية .. خيارات ترفع سعادتك دون أن ترهق محفظتك. برنامج جودة الحياة اليوم يحرّك قطاعات الرياضة والثقافة والسياحة والترفيه ويدفعها للأمام؛ ووفق المؤشرات الرسمية أنجز بالكامل 22 مؤشرًا في عامٍ واحد، واستمر تقدّم المبادرات على المسار المخطط.
ثقافة وترفيه “على قدّك”:
آخر نشرات الإحصاء تقول إن 81.6% من السكان حضروا فعالية ثقافية واحدة على الأقل خلال فترة المسح، و85.3% حضروا فعالية ترفيهية. يعني الجمهور موجود، والساحات مفتوحة، والتجربة ليست حكرًا على “الڤي آي بي”.
والرياضة؟
التوجّه تغيّر بوضوح. تقارير التقدم لـ2024 تشير إلى أن 58.5% من البالغين يمارسون نشاطًا بدنيًا 150 دقيقة أسبوعيًا—رقم يتجاوز أهداف المرحلة ويعني أن نمط الحياة النشط صار متاحًا ومُغريًا للجميع، لا لفئة النوادي الفاخرة فقط.
ترجمة كل هذا لقرارات محفظتك:
– استبدل الاستعراض بالاستمتاع. بدل قهوة بـ55 ريال كل يوم، شارك فعالية مجانية أو منخفضة التكلفة في الحي أو احجز ممشى وحديقة—والأرقام تقول إن الإقبال على الحدائق والفعاليات صار سمة عامة، مو رفاهية نادرة.
– اقتنِ لا “تتباهَ”. نقاط البيع تُظهر شهيّة كبيرة للمطاعم والمقاهي والموضة. خصّصها للمرات الخاصة، وارجع للطبخ المنزلي… بالذات وأن البدائل الترفيهية غير المكلفة تكاثرت.
– قِس على جودة الحياة… لا على “اللايك”. الهدف من البرامج الحكومية رفع الرفاه الحقيقي: صحة، نشاط، تواصل اجتماعي، مساحات عامة. هذا الرفاه لا يحتاج فاتورة ماركات—يحتاج تنظيم وقت وعادة مستمرة.
– خلِّ السيارة وسيلة لا منصة. الرؤية تدفع نحو مدنٍ أسهل للمشاة والفعاليات والمواسم. كل مرة تختار فيها مشوارًا ذكيًا بدل “لزوم الظهور”، أنت تربح راحة ومالًا معًا.
الخلاصة المشاكسة:
إذا زادت الرواتب اليوم وما غيّرنا عادات الصرف، راح يظل آخر الشهر “مشهدًا معادًا”: حسابٌ نحيل وصورةٌ سميكة. الرؤية قدّمت منصة واسعة لجودة حياة قابلة للعيش… لا للتباهي. القرار عندك: تكون زبونًا دائمًا لثقافة الفاتورة، أو لاعبًا نشِطًا في اقتصاد السعادة المعقولة.
اترك الهياط تربح. وفكّر: هل تحب الماركات فعلًا… أم تحبك لأنها تعرف طريق محفظتك؟