وَسِرَاجًا مُّنِيرًا

السيد فاضل آل درويش
الضياء المحمدي يبقى خالدًا في النفوس بما حمله من نور القيم الأخلاقية والتوجيهات السامية التي ترسم معادلة الوجود الإنساني المكرّم في عقله الواعي وسلوكه المتزن والنفس المنزّهة عن الرذائل والقبائح، وهذا التجدد والخلود ناشيء من عظمة حامل الرسالة والمنهجية ومضامينها التي أرست العدالة الاجتماعية وهداية الإنسان في وسط لُجج الحياة وظلامية دروبها المتشعّبة، وهي مدرسة تعلي قيمة الضمير الحي ومحورية حركة الإنسان وفق نبضه وتوجيهه ورفضه بحسب تلك الخطوة وما تحمله من نتائج وآثار، وهذه العظمة في الوجود للرسالة المحمدية تتجاوز مسألة الوجود الشخصي – مع عظمة خاتم الأنبياء وأفضليته على الخلق (ص) – أو حصرية الزمان والمكان، فهو أفق شمس تشرق في كل يوم مع نور التعاليم الإلهية فتشع هداية في عقول الناس، وهذا كتاب الله تعالى المعجزة المحمدية الخالدة يحمل بين آياته كل المعارف التي عند تطبيقها نرى الشخصية الإنسانية المتألقة، وهذا نور الله تعالى المتمثل بالرسالة المحمدية يخرج العقل الإنساني من الحيرة والتشوش ويدخله إلى باب المصادر المعرفية الحقة، وقوامها الدليل والنظام العقلي الذي يقوم على أساس تحريك العقل من المجهولات إلى براهين توجب في العقل القناعة وفي النفس الطمأنينة.
الهدي المحمدي قدّم بوصلة يسير خلفها المرء لتنير دربه في وسط غياهب الحياة وتعقّد مشهديتها، متمثلا بالضمير المشدود نحو القيم الأخلاقية ويتأطّر في حركته وفق مفهوم الصدق والرحمة والعدالة، ولا دليل على عظمة التعاليم والهدي المحمدي في بسط روح السلام والتسامح وأثره في إخماد نيران العصبيات والأحقاد، كما صنعه الرسول الأكرم (ص) من لحمة إيمانية وروح مودة بنيت على أطلال كراهيات سابقة وحروب بين القبائل امتدت إلى سنوات، وهكذا صنع الوعي المعرفي والاتزان السلوكي معادلة جديدة في حياة البشر ملؤها إدراك العواقب وبناء علاقات على جسور المحبة والتسامح.
والدين الإسلامي الذي جاء به خاتم الأنبياء (ص) يقوم على مبدأ توظيف الأخلاق في حركة الإنسان وحواراته ومواقفه وعلاقاته وأهدافه في الحياة، فالدرع الحصين الذي يقي الفرد من الوقوع في مستنقع الأهواء والخطايا والانهيار النفسي والأخلاقي هو قيم الدين المتفرعة من التقوى والخوف من الله تعالى، وكما يحمي عقله من خلال المفاهيم الدينية والقرآنية من الدخول في فوضى الأفكار والعمى المعرفي.
الرسالة المحمدية ليست مجموعة من التوجيهات النظرية التي تسكن العقل دون تأثير في تصرفاتنا وتعاملنا على أرض الواقع، بل هي تحريك الضمير الواعي واليقظ عند تحركه المعرفي أو السلوكي والاسترشاد به للوصول إلى الخطوات المتزنة.
وكذلك على مستوى علاقاتنا والقيم والأسس التي نتعامل بها وفق التعاليم المحمدية، والتي جوهرها الرحمة والإحسان للآخرين بعيدًا عن المشاعر السلبية والأحقاد والعصبيات.