المعلّم… قبطان الفوضى الهادئ

عماد آل عبيدان
“كل بداية عظيمة تحمل بصمة معلم، فكل نهضة تبدأ من فصل، وكل حضارة تُكتب بحبره”.
المعلم هو نقطة البداية في كل مسار نحو النور، اليد التي تفتح نافذة الأمل في عقول صغيرة تبحث عن مكانها تحت الشمس. كل صباح يلتقي في الفصل عالم مليء بالتطلعات والأسئلة والأحلام، ويقف المعلم في قلب هذا المشهد حاملاً رسالة أكبر من الكتب، ينسج بخيوط حكمته بيئة تجعل من التعلم رحلة ممتعة. داخل الصف تتجاور الشخصيات المتباينة، أحدهم منشغل بحلم بعيد، وآخر تجره عفويته إلى الضجيج، وثالث يخفي قلقه خلف صمته. هنا يتجلى دور المعلم الذي يحوّل التباين إلى انسجام، ويضبط الإيقاع بلطف يجعل النظام ميدانًا للإبداع لا حاجزًا يمنع الحركة. كل كلمة تشجيع يمكن أن تفتح بابًا للحياة، وكل ابتسامة تمنح الطالب شجاعة تلازمه زمنًا طويلًا. الحصة معه تتحول إلى قصة حية، لا مكان فيها للجمود، تتخللها لحظات دفء وفكاهة تمنح الجو طاقة جديدة، وتخلق رابطًا إنسانيًا يسبق الدرس في تأثيره. في زمن الشاشات اللامعة، ينجح المعلم حين يجعل المعرفة أكثر إغراءً من أي صورة على شاشة، يثير الفضول، ويصوغ المعلومة بأسلوب يوقظ الدهشة. القيم لا تُحكى بالكلمات وحدها، فالتلميذ يقرأ من مواقف معلمه قبل أن يقرأ من الكتاب؛ يرى قيمة الوقت في التزامه، ويتعلم معنى العدالة من إنصافه، ويكتشف قوة الصبر في لحظات هدوئه. كل يوم يقف فيه المعلم بين طلابه يوم يصاغ فيه وعي جديد، وتنبت فيه بذرة حضارة، وهذه الرسالة تتجاوز حدود المهنة، لأنها حياة تُمنح كل يوم لزرع أثرٍ لا يزول.