وسراجًا منيرًا (٣)

السيد فاضل آل درويش
يُثار تساؤل حول تحقيق الفرد إنسانيته المتصفة بالكرامة والتألق، والأمر يتعلق بالجانب العقلي وما يحمله من وعي وإدراك بذاته ودوره الوظيفي في الحياة، ومدار علاقاته التي تدور حول معيار الاتزان والتقدير وإدارتها بعيدًا عن التشنجات والصراعات الفارغة، وعلى مستوى الجمال الأخلاقي فدون شك أنه سمته الظاهرة ووجهه وهويته الحقيقية التي تعبّر عن كنهه وما يستبطنه من تصورات وسلوكيات، وعلى جميع الأصعدة من ضبط الذات والجمال الأخلاقي والاجتماعي عاش الناس قبل انبثاق نور الهداية والحق المحمدي عصرًا مظلمًا ومطبقًا من الضلال والتيه والضياع والانفلات، ونظرة سريعة على الجانب التاريخي لعصر الجاهلية تجده مليئًا بالرذائل والآفات الأخلاقية التي سادت بينهم وسببت اضطرابًا في حياتهم وعلاقاتهم، فالمتحكم في تصرفاتهم الجانب الغريزي وغلبة منطق القوة ومنطق الغاب وانزواء الجانب العقلي الراشد، والرسالة المحمدية أحدثت نقلة كبرى واستدارة تامة عند الناس وضبطًا للنفوس وفق الضمير الواعي والعقل الناضج في إدارة مختلف جوانب الحياة، بعد أن كان يسودها فوضى الأهواء والانفعالات والغرائز المتفلتة.
وعلى المستوى الاجتماعي كانت بصمات التغيير جلية في علاقاتهم وإرسائها على قاعدة الاحترام وحفظ الحقوق، فقد كان الناس يعيشون ظلامًا دامسًا بسبب العصبيات والتمييز العنصري، والتي أشعلت بينهم الخلافات والصراعات لأبسط الأسباب وخوض المعارك لسنوات طوال، فجاءت الأنوار المحمدية لتضيء في المجتمع المتهالك بمعالم العدالة الاجتماعية والمساواة وروح التفاهم والتسامح، فبدأت تتلاشى وتذوب تلك العصبيات والفروق الوهمية وتزدهر بينهم الأخوة والقيم الإسلامية الرائعة، قيم تدعو إلى التآلف والإحسان وعُرى التعاون وبسط يد العون والمساعدة ومظلة التكافل.
الهدي النبوي يبقى أثره فاعلًا متى ما التزم الإنسان بتلك التعاليم في جميع جوانب حياته، فالفكر المتزمت والتصرفات الهوجاء والطائشة كلها من بصمات العصر الجاهلي، ومتى ما استبدلناها بالوعي والحكمة والاتزان الانفعالي والنفسي والسلوكي فهذا يعني التزامًا بنهج القيم المحمدية، وهذا يحتاج إلى إدراك فكري واطلاع على السيرة النبوية وما تحمله تلك المواقف من دروس وعِبر تمثل منهاج حياة مشرقة، كما أن السمو الأخلاقي والتعامل الحسن هو تطبيق عملي لتلك القيم وتظهر آثارها وتمتد على مستوى العلاقات الاجتماعية والإنسانية.
والخلاصة أن التعاليم المحمدية تمثل فجرًا جديدًا في حياة الناس ومنعطفًا مفصليًّا، استطاع من خلاله الرسول الأكرم (ص) أن يعيد صياغة شخصية الإنسان متحليًّا بفكر واع وناضج وسلوك متزن ومتزين بالأخلاق الحسنة، والإنسانية اليوم تنعم بضياء تلك الهداية والمعرفة والتألق بفضل تلك الجهود المضنية لرسول الله (ص).