بهجةُ الوطن

عماد آل عبيدان
ما إن يقترب يوم الوطن، حتى تتبدّل ملامح الأزقة والساحات والمدارس والقلوب؛ يغمر الأخضر الجدران والوجوه والشوارع بالأعلام والزينة، وتتقدّم الأهازيج والأناشيد الوطنية ضحكات الأطفال وتغاريد الشباب والكبار، فيختلط صوت الفرح بخطى الجميع. يلوّح الصغار ببراءتهم، وتزدحم الساحات بالشباب كأنهم يكتبون مستقبلًا جديدًا، وتتناثر ابتسامات الشيوخ والآباء كأنها شهادات فخر تروي للأجيال حكاية التوحيد. في هذا اليوم، لا يبقى الوطن فكرةً محفوظةً في الكتب أو المدونات، إنما يتحوّل إلى احتفال حي يمشي بين الناس وتحتضنه القلوب، يمد يده للجميع ويقول: أنا بيتكم الكبير.
في ذكرى اليوم الوطني، تتداخل الأصوات في سيمفونية واحدة: البنات ينسجن باللون الأخضر حكايات الفرح على ضفائرهن، والأمهات يهيّئن الأعلام كما لو كنّ يُحضّرن أطباق العيد وحلوياته، ويجهزن الملابس والزينة لأطفالهن عند خروجهم، والشباب يملأون الساحات بحيوية تشبه انطلاقة الفجر، والآباء يستعيدون مسيرة الآباء المؤسسين وكأنهم يرون التاريخ يُعرض أمامهم حيًّا. إنها مناسبة لا تسعها الكلمات، إذ يجتمع فيها الماضي الذي وحَّده الملك عبد العزيز رحمه الله، بالحاضر الذي تبنيه الأجيال، والمستقبل الذي يُضاء بأحلامهم.
الوطن في هذا اليوم لا يكتفي بأن يكون ذكرى؛ إنه فرح عام، وعرس تمتد موائده على الأرصفة والقلوب. ترى الجد يصفق بحذر، وكأن يديه تحفظان ذاكرة التراب والمزارع والأسواق القديمة، فيما يركض الحفيد مزهوًا، وكأن الأرض فرشت له بساطًا من الأمل. وما بين وقار الشيوخ واندفاع الشباب، تتكامل الصورة التي تقول لنا: هذا البيت الكبير اسمه المملكة، وكلنا عائلة واحدة تحت سقفه.
إنها لحظة نادرة تُذيب الفوارق وتُعيد ترتيب المعاني؛ فالموظف بجوار الطالب، والطبيب بجوار المزارع، والمرأة بجوار الرجل، كلهم في مشهد واحد تتلاشى فيه المسميات، ويبقى العنوان الأجمل: نحن أبناء هذا الوطن.
الفرحة اليوم أثر يترسّخ في النفوس. وحين نحتفل، فإننا لا نُسرف في التجمّل بقدر ما نستعيد يقينًا بأن هذا الكيان الذي اجتمع على كلمة “التوحيد” هو نعمة كبرى تستحق أن تُحاط بالمحبّة والحماية، وأن يُرفع لله الشكر على نعمة الأمن والأمان. لذلك، يأتي اليوم الوطني أشبه بموعد سنوي مع أنفسنا: هل كنا أوفياء للبيت الذي يأوينا؟ هل أضفنا لبنات جديدة على جدار الإنجاز؟
الوطن قصيدة جماعية لا يكتبها شاعر واحد، يكتبها و يخطّها الملايين بحبر العرق والعمل والوفاء. وحين نغني وننشد له اليوم، فإن أصواتنا تتحول إلى أهازيج ولاء متجدد، ووعد صادق بأن نكون الأمناء على أمانته.
هكذا يغدو اليوم الوطني أكثر من ذكرى، إنه مناسبة تُذكّرنا بأننا مهما تفرّقت بنا الطرق، فهناك طريق واحد يعيدنا دائمًا إلى قلب واحد… اسمه الوطن.