أقلام

الخيط الرفيع في ارتباط الأجيال

أمير الصالح

تعبير (حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) الوارد في كتاب الله المجيد كناية عن دخول وقت الفجر، إلا أن الخيط الرفيع في التعامل مع المحيطين بالإنسان أحيانًا كثيرة ويكون في أحيان منها بين سندانة الجيل الصاعد ومطرقة الجيل السابق. وهذا الأمر يجعل الآباء المعاصرين الذين لديهم تواصل فعال مع كلا الجيلين، يجعلهم تحت ضغوط مثيرة وكثيرة ومجهدة من جهة بعض الأجداد المحافظين وبعض الأحفاد الانفتاحيين أو الليبراليين أو المواكبين لمتغيرات عديدة بناء على مؤثرات وإفرازات العولمة الثقافية وتموجات اقتصادية ومنعطفات متعددة.

حتمًا في هكذا عجالة لا أستطيع أن أسلط الضوء على جغرافيا علاقات الأفراد داخل الأسر حول العالم، ولكن سأتناول بعضًا منها. ونلتمس العذر مسبقًا من الجميع إن أخفقت في تدوين كل المظاهر أو إن أخفقت في بعض التعابير، إلا أن المقال برمته يهدف لتجسير وثاق التواصل بين أطياف الأجيال المختلفة وإن اختلفت بعض السلوكيات عند البعض، لأن التنافر بين الأجيال مع تطاول الزمن سيولد مجتمعًا هشًّا وسهل الاختراق والتفتيت وتمرر عبره المزيد من السلوكيات والأفكار الشيطانية.

لعل بعض البيئات الاجتماعية في بعض الدول ولا سيما في الشرق والشرق الأوسط بالتحديد رأت أن من مستجدات التحديات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية بعض المظاهر التالية:

١- تدخين السجائر والشيشة عند بعض الفتيات

٢- رسم التاتو على جسد أو أطراف بدن الشباب

٣-الكشف للوجه بالنسبة للفتيات في الأوساط الاجتماعية المحافظة تقليديًا.

٤-لبس عباية الكتف والعباءة الملونة بالنسبة لبعض الفتيات

٥-الانتماء لأندية سفر بالنسبة للفتاة والسفر مع الأجنبيات والأجانب وبعض الصديقات دون محرم لدول أجنبية مختلفة.

٦-التحاق بعض الفتيات بدروس السباحة والغوص والرقص والعزف المختلط

٧-العمل المهني المختلط خارج البلد وداخلها وما يتعلق به من رحلات عمل وحضور احتفالات سنوية وحضور دورات تدريبية.

٨- كشف مقدمة الشعر أو نزع الحجاب عن شعر الرأس من قبل بعض الفتيات في الأماكن العامة أو لبس الضيق الفاتن من الملابس عند الخروج للأماكن العامة.

٩- وضع بعض الفتيات والنساء مكياج (ميكب كامل) عند الذهاب للتسوق والمكتبات العامة والطرق والمطاعم وفي السفر

١٠- إطالة الشعر والأظافر ولبس القلائد الفضية/ المطلية بلون ذهبي عند بعض الأولاد.

١١- المجاهرة بالاستماع للأغاني والموسيقى العالية في وسط الأماكن والشوارع العامة والترنح عند المشي بموجب تلكم الموسيقى من قبل الفتيات والفتيان

وهنا نرى ينقسم بعض أفراد المجتمع إلى فريقين:

فريق يحاول المقارعة والاصطدام مع أبناءالجيل الصاعد حد النفور أو التباغض أو النزاع المستمر. وهذا امر يحتاج لدراسة معمقة. وفريق آخر يقول فيه البعض ممن هم في مقام أب أو جد أو أم أو جدة علينا أن نستعد للتخلي عن افتراضاتنا وبعض أعرافنا القديمة ممن صنفت أنها اعراف اجتماعية متغيرة لمفهوم العيب، والنظر بتمعن وجدية في أفعالنا وتصرفاتنا وتعاملاتنا وعواقبها ولا سيما مع الأبناء والأحفاد لكي تضمن العيش المشترك والاحتضان لهم وكسب قلوبهم تارة بالإقناع وتارة بجميل العطف و تارة بالحوار وتارة بالتذكير المستمر وتارة بالموآخاة وتارة بالمصاحبة وتارة بالكرم والتودد، وتمحيص الفعل أو ردة الفعل من الآباء نحو سلوك الأبناء / البنات إن كانت ناتجة عن أعراف اجتماعية معينة أو تقاليد أو فهم شخصي للدين أو بناء على تحريض عشائري أو بناء على استفتاء ديني رصين أو قيود رسمية أو قانون زمني معين في جغرافيا معينة !

العمل على فرز ماهو مدون ضمن الأعراف والتقاليد من جهة، وما هو منصوص عليه بالدين الصحيح من جهة آخرى أمر مهم وإن كان العمل في ذلك هو عمل مُجهد وشاق وسيحتاج إلى شجاعة وصلابة وعنفوان وبصيرة وذكاء وتمحيص واريحية وأفق واسع وصدر علمي رحب. ويؤمن بعض أبناء الجيل المعصور بين السندانة والمطرقة أن:

تنقيح كمية الرفض (اللاءات الاعتراضية) والاعتراض الزائد أمر لا بد منه. وان الفشل في إعادة تأطير العلاقة مع أبناء الجيل الصاعد وشرح المواقف والحيثيات للجيل السابق قد تؤدي إلى شروخ متعددة وهدم بناء الأسر واندثار الاجتماعات العائلية الكبرى، وعدم استدراك الأمور قبل فوات الأوان سينتهي التفاف العلاقات الأسرية وضمور التاثير بل وتشرذم العلاقات.

وعليه ينادي بعض العقلاء، وأنا أضم صوتي معهم في بعض الاُطر، بضرورة:

١- رسم الخطوط الحمراء بناء على القيم الثابتة وليس الأعراف المتغيرة. فمثلًا منعت بعض الأسر الحاق أبناءها وبناتها في سلك التعليم الرسمي واكتشفت مع مرور الزمن أن ذلك كان مجانبًا للقرار الصواب ولا سيما أن مواد التعليم محترمة ومحتشمة ونافعة.

٢- توطيد لغة التفاهم والنقاش النافع بين الأبوين أمام الأطفال. فقد ثبت بالعلم الحديث أن الأطفال عندما يكبروا ويصبحوا آباءً فإن مخزون التربية عند طفولتهم يُترجم وينعكس في آليات تعامله مع أبنائه. أنصح بقراءة كتاب “الكتاب الذي تمنيت لو قرأه والداك، وسيفرح به أطفالك لو قرأته

The Book You Wish Your Parents Had Read, and Your Children Will Be Glad That You Did”

٣- خلق بيئة حاضنة بناء على إعادة صياغة المفاهيم المنتزعة من روح نصوص الشرع وليس الأعراف المتغيرة.

نعترف بأن وجود تيارات فكرية متعددة ولد ويولد صعوبات جمة في مسيرة التربية داخل كيانات معظم الأسر المحافظة، إلا أن ذلك يعد بلاء ورحلة حياة وسعي حثيث نحو المزيد من الثواب . حسن توظيف العقل والامكانات المتوفرة من قبل الوالدين المتفهمين في تربية أبنائهم لما يدور حولهم سيجعل من تلكم التحديات عوامل تواصل في آكثر من إطار وسيختم للأبناء بإذن الله للعاقبة الحسنة. والعكس صحيح. الاحتضان للأبناء من قبل الآباء وإعادة تمحيص وتشخيص الخطوط الحمراء سيفسد على الشيطان خططه في هذم بناء الاُسر. فيامن تبحث عن أبوة ناجحة وأسرة مستقرة: كن فاهمًا، كن فاعلًا، كن مبادرًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى