
الشيخ عبدالعظيم بن نصر مشيخص*
منذ توحيد أقطار الجزيرة العربية على يد المغفور له جلالة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود (طيب الله ثراه) – في 23 سبتمبر من العام 1932، تحت اسم “المملكة العربية السعودية” وبلادنا تشهد نمواً كبيراً في شتى المجالات، وعلى كافة الصعد، اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً وتعليمياً وتنموياً وثقافياً، إذ تحوّلت مملكتنا من بلد صحراوي قاحل إلى أحد أكبر الدول المتميزة والمهمة في كل شيء، حتّى احتلّت موقعا متميزاً على مستوى العالم، وباتت رقما صعبا في
كافة المعادلات الإقليمية والعالمية.
بناءً على ذلك، وتأسيساً على تلك المنجزات التي يصعب حصرها في سطور قليلة، بات الوطن أمانة في أعناق الجميع، وأن ما بناه المؤسس وأبناؤه الكرام، علينا ـ نحن المواطنين ـ أن نحافظ عليه، ونُسهم ـ بكل ما نملك ـ في تطويره وتنميته، لأن الوطن من أغلى ما يملكه الإنسان، فحبه يتغلغل في سويداء قلبه، وتلك فطرة فطر الله الناس عليها، فـقد ورد في الأثر أن “حب الوطن من الإيمان”.
وفي هذا الشأن، كتب العلماء والحكماء والأدباء والشعراء في حب الوطن، وسطروا ذلك في بطون الكتب، لتتناقله الأجيال، وتتغنى به الشعوب.
إن هذا الوطن الغالي لم يقم ولم يصل إلى ما وصل إليه إلّا بتضحيات وجهود الآباء والأجداد، في مقدمتهم بالطبع الملك المؤسس وأبناؤه الكرام، الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل توحيد الأرض رغم سعة رقعتها الجغرافية، وتوحيد القلوب والنفوس، وجمع القبائل والعشائر والمكوّنات والنهوض بها، فبذروا بذرته فخرجت شجرة باسقة يانعة الثمار بعد أن سقوها بماء الكد والتعب والتضحيات.
وقد حمل الراية من بعدهم قادة أفذاذ سهروا الليل والنهار لرقيه وازدهاره، فكانوا خير خلف لخير سلف، ومن واجبنا جميعاً المحافظة على هذا الإنجاز، و على هذا الوطن الكريم المعطاء، ليستكمل مسيرته المشرقة حول العالم.
إن أداء أمانة الوطن علينا يبدأ من الأسرة، التي هي نواة المجتمع، بأن يكون الوالدان قدوة لأبنائهم في حب الوطن، والتعبير العملي عن ذلك، في أخلاقهم وسلوكهم، واحترامهم للأنظمة والقوانين، وتحلّيهم بقيم الولاء والانتماء الوطني وحب القيادة وطاعتها، وغرس ذلك في نفوس أبنائهم، ليجري فيهم حب الوطن مجرى الدماء في العروق، وتحصينهم من التيارات الدخيلة والخارجية، وكل ما من شأنه تشويش أفكارهم وتلويث عقولهم، وخاصة في ظل التقنيات الحديثة، التي أصبحت في متناول الصغار قبل الكبار، والتي باتت في كل مكان.
ومن حق الوطن علينا الالتفاف حول قيادته الحكيمة، ولاءً وانتماءً، وطاعةً واستجابةً، فمن نعم الله علينا أن وهبنا قادة لا مثيل لهم، فهم قدوات في أخلاقهم، ونماذج في تفانيهم في خدمة دينهم ووطنهم وشعبهم، وتوفير أرقى سبل العيش لهم، حيث تحسنت جودة الحياة والمعيشة والسلامة، فارتقت بجودة الخدمات المقدمة في مدن المملكة، فتأتي سعادة المواطنين والمقيمين على رأس أولوياتهم.
وطالما كرّروا في مناسباتهم العامة والخاصة بأن سعادتهم لا تتم دون اكتمال سعادة ورفاهية وتطوّر ونمو أبناء الوطن، وقد جعلوا ذلك على رأس أولوياتهم، وترجموه واقعاً عملياً، والشواهد أكثر من أن تحصى.
ومن الأمانة تجاه الوطن، أن نعمل جميعاً على تعزيز مبادئ الرعاية الاجتماعية والأخلاقية، والروح الإيجابية في المجتمع، وخاصة تعزيز صفة التراحم ونشر قيم الخير والوئام والتعايش والتسامح بين فئات مجتمعنا. وهذه من أولى أولويات ديننا الحنيف، وسيرة نبينا الكريم، وآله وصحابته الكرام، وهو النهج نفسه الذي تسير وفقه حكومتنا الرشيدة أيّدها الله.
ومن الأمانة الملقاة على عاتق الجميع تجاه هذا الوطن الكريم هو الاهتمام بتعليم الأبناء، وتنمية عقولهم وتطوير مهارتهم لخدمة وطنهم، ولا شك بأن الطلاب والطالبات اليوم في مختلف القطاعات التعليمية تُعد من أهم موارد الوطن وأكثرها قيمة، وقد سعت مملكتنا في استثمار تعليم وتدريب أبنائنا بالمعارف والمهارات والتأهيل للعمل على وظائف المستقبل، وسيكون هدفها أن يحصل كل طفل سعودي أينما كان على فرص التعليم الجيد وفق خيارات متنوعة وسيكون تركيزها أكبر على القيادات التربوية وتدريبهم وتطوير المناهج التعليمية نحو حياة أفضل.
ومن الأمانة تجاه الوطن أيضا، هو تنمية وتعزيز الهوية الوطنية للأفراد عن طريق ترسيخ القيم الإسلامية الوطنية التي نشأت عليها أسرتنا الخليجية، وتعزيز الخصائص الشخصية والنفسية، وتحفيز الأفراد نحو النجاح والتفاؤل، وتكوين جيل متسق وفاعل مع توجه مملكتنا سياسياً، واقتصادياً، وقيمياً واجتماعياً، ووقايته من كل ما يعكر صفو حياته الأمنية والاجتماعية والثقافية والإعلامية من خلال تعزيز قيم الوسطية والتسامح والإتقان والانضباط، والعدالة والشفافية والعزيمة والمثابرة بين المواطنين ليصبح الجميع “كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد”.
ومهما اختلفت مواقع أعمالنا، في القطاع العام أو في القطاع الخاص أو في الأعمال الحرّة، فعلينا مسؤوليات عديدة تجاه وطننا ومجتمعنا وأسرنا وتجاه أنفسنا كذلك، إذ أن علينا حشد كافة الطاقات وبذل كافة الجهود لنصرة الوطن، بكافة الوسائل المشروعة والمتاحة، ومن هذه الوسائل الشرعية تسخير الأقلام في خدمته، وهنا يأتي دور العلماء والأدباء والمثقفين والإعلاميين، فتأثير الكلمة اليوم كبير وعميق وسريعة الانتشار، كما أن سلاح القلم لا يقل أهمية عن أي سلاح آخر، وخاصة في ظل بروز أدوات التواصل الاجتماعي والرقمي الواسعة اليوم، والتي أصبحت منصات كبرى للتعبير، ولها دور في إحداث التأثير والتغيير في عقول متابعيها، لسرعة انتشارها على نطاق واسع، وتركيز الأعين عليها، إذ من الممكن ـ بل من الواجب ـ أن تكون هذه المواقع منصات للإشادة بالوطن، والاعتزاز بإنجازاته ومكتسباتهوالدفاع عنه، وصد السهام المغرضة من الأعداء عليه.
وفي هذا الشأن نجد أنفسنا نقف شاكرين لكل من يؤدي “أمانة الوطن” ونعني بذلك العاملين في الأجهزة الحكومية من قطاعات أمنية أو عسكرية، باعتبارهم دروع وطننا الغالي، والأعين الساهرة عليه، وأصحاب الهامات المرفوعة، فهم يحمون وطننا الغالي في كل مكان ويحرسون حدودنا بعين لا تنام، كما يحافظون على شواطئنا، وجبالنا، وسهولنا وشتى بقاع هذا البلد الطاهر لتصبح نقية من كل دنس آت من معتدٍ أو ظالم.
وأختم بكلمة لصاحب السمو الملكي ولي العهد ” حفظه الله” عندما قال:” هذه بلادنا المملكة العربية السعودية التي نريدها دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر.
سنرحب بالكفاءات من كل مكان وسيلقى كل احترام من جاء ليشاركنا البناء والنجاح.. ومعكم وبكم ستكون المملكة العربية السعودية دولة كبرى نفخر بها جميعا ًإن شاء الله تعالى”.
حرس الله مملكتنا الغالية حكومة وشعباً، إنه سميع مجيب الدعاء.
ودمتم ودام وطننا الغالي.
*قاضي دائرة الأوقاف والمواريث، ورئيس هيئة التدقيق في القطيف والأحساء المكلف