أقلام

ذاكرة الوطن: كيف صنعت الأحداث التاريخية المسمّاة هوية السعودية

زكي الجوهر

الأحداث التاريخية المسماة في السعودية وأثرها في تشكيل الهوية الوطنية

تُعد دراسة الأحداث التاريخية التي مرّت بها الجزيرة العربية، ولا سيما ما عُرف بـ “السنوات المسمّاة”، مدخلًا أساسيًا لفهم التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شكّلت مسيرة المملكة العربية السعودية. فقد ارتبطت ذاكرة المجتمع بمسميات مثل سنة الرحمة، سنة الجوع، سنة الهدام وغيرها، وهي محطات لم تكن عابرة، بل تركت بصماتها العميقة على حياة الناس، وأسهمت في صياغة وعي جمعي يقوم على الصبر والتكاتف والسعي نحو الاستقرار.

وتهدف هذه الدراسة إلى استعراض أبرز تلك السنوات، وبيان خلفياتها وأثرها، وربطها بمسيرة الدولة السعودية وصولًا إلى العصر الحديث في ظل رؤية 2030.

– دخول الملك عبدالعزيز الرياض (1319هـ/1902م)

يُعد هذا الحدث البداية الفعلية للدولة السعودية الثالثة، حين تمكّن الملك عبدالعزيز من استعادة الرياض، وهو الانطلاقة الكبرى لتوحيد معظم أقاليم الجزيرة العربية تحت راية واحدة. وقد تلت ذلك معارك مفصلية مثل البكيرية، روضة مهنا، وحائل.

الأثر: وضع الأساس لتأسيس الدولة الحديثة وإنهاء مرحلة التشرذم وعدم الاستقرار.

– سنوات الحروب والتوحيد (1321–1340هـ)

تميزت هذه المرحلة بوقائع كبرى:

• معركة البكيرية (1322هـ): مواجهة حاسمة ضد قوات ابن رشيد.

• معركة روضة مهنا (1324هـ): انتهت بمقتل عبدالعزيز بن متعب آل رشيد.

• فتح الأحساء (1331هـ): إضافة اقتصادية وإستراتيجية مهمة للدولة.

• معركة جراب وكنزان (1333هـ): صدامات سياسية وقبلية بارزة.

الأثر: تعزيز سلطة الملك عبدالعزيز وتوسيع رقعة الدولة الموحدة.

– سنوات المجاعات والأوبئة

• سنة الطاعون (1247هـ تقريبًا): وباء اجتاح نجد قبل الدولة الثالثة وترك أثرًا عميقًا في الذاكرة الشعبية.

• سنة الكسوف (1348هـ): حدث فلكي ارتبط في أذهان الناس بالوفيات والأوبئة.

• سنة الرحمة (1349هـ): انتشار الجدري والكوليرا الذي أودى بحياة الآلاف.

• سنة الجوع (1361هـ): مجاعة كبرى خلال الحرب العالمية الثانية.

• سنة البرد (1367هـ): موجة صقيع قاسية أضرت بالزراعة والثروة الحيوانية.

الأثر: أظهرت هشاشة البنية الاقتصادية قبل النفط، وأكدت الحاجة إلى الأمن الغذائي والصحي.

– سنوات السيول والكوارث الطبيعية

• سنة الغرقة (1374هـ): مياه غمرت الأراضي الزراعية والبيوت.

• السيل الكبير (1373هـ): اجتاح وادي البطحاء في الرياض.

• سنة الهدام (1376هـ): سيول مدمرة أصابت بريدة والرياض والأحساء.

• سنة الفيضان (1375هـ/1956م): سيول أغرقت جدة وخلفت خسائر كبيرة.

الأثر: دفعت هذه التجارب الحكومة لاحقًا لتطوير شبكات تصريف السيول وبناء مساكن أكثر صلابة.

– سنوات الغبار ( 1392هـ تقريبًا)

شهدت المملكة عواصف رملية كثيفة أثرت على المدن والزراعة والتنقل.

الأثر: برزت الحاجة إلى الزراعة المحمية وتطوير البنية التحتية لمواجهة المناخ القاسي.

– سنوات النفط والتحول الاقتصادي

منذ اكتشاف النفط عام 1357هـ (1938م) بالدمام، دخلت المملكة مرحلة جديدة من التحولات الجذرية.

الأثر:

• تأسيس البنية التحتية (طرق، كهرباء، مياه).

• تعزيز الأمن الغذائي والصحي.

• الحد من آثار الكوارث الطبيعية عبر التخطيط العمراني الحديث.

– مرحلة ما بعد التوحيد وحتى اليوم

منذ إعلان توحيد المملكة عام 1351هـ/1932م، تولت الدولة مهمة بناء مجتمع متماسك وتنمية شاملة. وتوالت المراحل:

• برامج التنمية في عهد الملك فيصل والملك خالد.

• التوسع العمراني والاقتصادي في عهد الملك فهد.

• التحولات الكبرى في عهد الملك عبدالله.

• وصولًا إلى عهد الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث انطلقت رؤية السعودية 2030 التي تهدف لتنويع الاقتصاد وصناعة مستقبل مزدهر.

إن استعراض “السنوات المسمّاة” يكشف عن صلابة المجتمع السعودي وتلاحمه مع قيادته، ويبرز حجم التحول الهائل من مجتمع واجه المجاعة والوباء والسيول والغبار إلى دولة حديثة رائدة عالميًا. هذه الأحداث ليست مجرد ذكريات، بل دروس تاريخية تُغرس في الأجيال معنى الأمن والاستقرار، وأهمية مواصلة البناء على ما تحقق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى