أقلام

نقد الموروث بين الانفلات والضوابط

أمير الصالح

في عصرنا التقني الحاضر أضحى في يد كل فرد يمتلك جهاز الجوال، منصة إعلامية خاصة به؛ وأضحى غالبية الناس سواء صغير أو كبير، عالم أو أحمق، ذكر أو انثى، عالي الأدب أو عديمه، باستطاعته أن يبث ما يريد من محتوى ومقاطع فيديو، ويعبر عن آرائه ويسوق أفكاره أو جسده أو أدبه أو علمه أو مشروعه أو تجارته أو مشاكله أو عقائده …. إلخ دون أخذ إذن من أية جهة. وهذا الأمر نعمة إن أحسن صاحب الجهاز توظيفه ونقمة إن أساء توظيفه؛ أي أن الإطلالة للأفراد/ مجموع/ فرق عبر منصات التواصل الاجتماعي قد تكون نعمة أو نقمة في الوقت ذاته، لأن بعض صناع المحتوى يفيدون الآخرين، والبعض الآخر يفسدون الآخرين وأي إفساد!! . وهنا لا بد من أن يكون على كل إنسان رقيب وحسيب نابع من ضميره وذاته عبر فلتر الأدب والأخلاق والتربية والأعراف الاجتماعية واحترام القانون وصيانة قيم المجتمع واحترام تعاليم الله جل جلاله. بعض الأمور قد يكون الحسيب والرقيب فيها هو الأب/ الأم/ الزوج/ الزوجة/ الأخ الأكبر/ الصديق الوفي. وبعض المواد المنشورة قد تخضع لرقابة مدير التحرير الإعلامي لشركة ما أو قناة فضائية ما، أو صحيفة ما أو جهاز رسمي لجهة ما، أو المجتمع أو المؤسسة المهنية … إلخ. والبعض من المواد المنشورة سواء الإباحية أو الهابطة أخلاقيًّا أو الداعية للإلحاد أو المسوقة للفجور أو المروجة للتشكيك بوجود الإله والطاعنة في أهل الصلاح والفلاح أو الأعمال الباطلة التي تُنسب زورًا للدين قد لا تنالها يد الرقيب الإعلامي/ الروحي/ القانوني في بعض الأقاليم غفلة أو خشية أو بسبب حسابات دنيوية ما، إلا أن محاسبة الله في يوم القيامة ستكون بالمرصاد وإن كثر عدد المشاهدين والمتابعين والمريدين والمغرر بهم أو المضللين.

نقد الطقوس: حراك أو تصادم

في عالم اليوم، يعتقد البعض ولا سيما الشباب المتأثر بأفكار معينة أن النقد والتفكير النقدي عنصر عصري ويعطي دماءً وأفكارًا جديدة في الفكر الديني التقليدي والشعبي، ويبعث صورة جماليه للدين والأعراف الاجتماعية لأنه يكسر الصور الجامدة لقوالب الطقوس. وفي المقابل، يعتقد بعض المتدينين الأوفياء أن التفكير النقدي المفرط لدى بعض الشباب هو محل شك وريبة وغطاء لتمرير أجندات لإيدلوجيات ومصالح جهات شرقية وغربية تسعى في هدم قوالب الدين حتى الرئيسة منها، وبين هذا وذاك من الخطوط والاتجاهات يرى عدد كبير من الناس أن هكذا نزاع أهدر ويهدر طاقات لا يستهان بها من كلا الفريقين. وأتذكر قول شاعر:

نعيب زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان بنا هجانا

ويأبى الذئب لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضًا عيانا

عقليات في عقلية:

يعتقد البعض من المتأثرين أن من قاموا ببعض التطويع للنصوص الدينية حسب مقاييس لفظية بها مغالطات منطقية وسباقات كلامية منمقة فإنهم حدثوا الدين جملة وتفصيلًا واستصدروا نسخة جديدة منه ترضي الشقران والحمران والصفران والبيضان. وهذا يذكرني بكتاب لمؤلف اسمه مصطفى أكول عاش في مجتمع يغلب عليه من لا يؤمن بدين الإسلام، فأصدر كتابًا بعنوان: reopening Muslim Minds ليظهر نسخة تتوائم وما يراه مقبولًا عندهم كنسخة جديدة من الدين الاسلامي الحنيف. وبدلًا من انتقاد المؤلف لسلوك بعض المنحرفين وبعض منتحلي صفة الإسلام وبعض الجماعات الإرهابية والمتطرفة، انتقد المؤلف بعض أجزاء الإسلام وطوع النصوص القرآنية تفسيرًا ضمن معايير فكرية تتوائم ومجتمعه الجديد!!!

فهم البعض تجديد الدين عبر نيلهم من نصوص الشرع وسلب التشريع عن الدين واقصائه وابعاده عن حياة المجتمع من خلال التكبيل والتحجير عليه والتهميش له تارة، وتارة عبر خلق شخصيات منفوخة إعلاميًا وإلصاق صفات حميدة بها ووضعها كأنموذج للشخصية الإسلامية المثالية التي يجب أن يقتدي بها وإن جاهرت تلكم الشخصيات بالفسق والمجون والسفاهة والتبذير وسوء إدارة الأمور والمجاهرة بالشهوات.

العادات والتقاليد

(تلك امة قد خلت لها ما كسبت)

كل مجتمع يؤطر تقاليد وأعراف تتوائم وظروفه ومعطيات زمانه وموقعة الجغرافي. البعض مع شديد الأسف يحمل العادات والتقاليد محمل النصوص الدينية، وتكون أعراف الأباء والأجداد بالنسبة لهم قواعد اجتماعية أصلية لا يمكن المساس والاقتراب منها في نظرهم. طبعًا هذا عبث بعقول الأجيال في أن يكونوا تابعين لآخرين بشكل أعمى دون وعي وبصيرة وفهم أو أن لا يقولوا كلمتهم ويفعلوا فكرهم ويتمحصوا واقعهم ويتكيفوا مع معطيات زمانهم سواء الاقتصادية أو السياسية أو البيئية أو الاجتماعية. ولكن إيجاد خلط متعمد من قبل البعض بين الموروث الشعبي والأعراف الاجتماعية من جهة مع النصوص والتعاليم الشرعية أمر مريب. فإن ذلك مغالطة عليها ألف علامة استفهام ويتبعها ألف سؤال عن النية المبيتة لصاحب هكذا خلط متعمد.

نعم هناك من يسد باب المراجعة والتنقيح والفرز والتصحيح والنقد البناء الرصين عبر رفع شعارات مثل وإسلامااااه وادينااااااه أو كفانا كذا وكذا، فيتم من خلال ذلك وهذا الشعار تهييج عامة الناس ضد محيي الفروض والمحافظين على روح النصوص؛ فيقال على منتقدي الأعراف الجوفاء والبالية بأنهم أتوا ليبدلوا الدين كما قالها فرعون.

ما المطلوب لصنع الأفضل؟

من الجيد إعداد مراكز بحث ومنصات حوار هادفة تعطي أهمية قصوى للدراسات البحثية المعمقة والرصينة لسد الفجوات وتجسير الحوار وفرز الغث من الثمين وكشف المغالطات، فوجود مراكز بحثية مرموقة وموضوعية غير منحازة متعددة تغطي مجالات عدة وليس مركز واحد يوظفون الطاقات لما هو آفضل وأجدى وأنفع، سيكون له الأثر الكبير. فوجود:

١- مختص في مجال قراءة السلوك البشري المحمود للحث عليه وتشخيص ودراسة السلوك المزعج/ المنحرف للتحذير منه وإبطال توغله أو وقف انتشاره.

٢ -مختص في تعزيز الروح المعنوية

٣- مختص في رصد مواقع الانحلال والكفر والفجور الإلكترونية الرقمية والواقعية لإبطال أعمالهم والتحذير منهم

٤- مختص في مجال البحوث الناريخية ذات البعد المفصلي

٥- مختص بحوث عالمية

٦- مختص رصد توجهات وأنماط فكرية

٧- مختص حكمة وإرشاد

٨- مختص توجيه وتربية سلوكية

٩- مختص استثمار موارد بشرية

١٠- مختص حلحلة سوء تفاهم

وجود هكذا تنوع في الاختصاص وتوظيف الطاقات بشكل أنسب سيؤتي ثماره ولو بعد حين.

الابتعاد عن المماحكة

يتسلح البعض بسلاح الوجاهة الاجتماعية أو الحماية القانونية أو القداسة الدينية أو اللقب الأكاديمي أو … أو… ليتجاوز المسائلة ويتخطى النقد البناء لسلوكه وأقواله وتصريحاته. والواقع أن كل شخص سيقف يوم القيامة أمام الله جل وعلا ويحاسب عما صدر منه من قول وفعل وايماء (وقفوهم إنهم مسؤولون … الآية )، فيحق للناس توجيه أسئلة بهدف البحث عن الحق والحقيقة ولا يجوز لرجل دين/ الأكاديمي/ ذي المنصب أن يسقط ذلك الحق بقول (الراد على العالم كالراد على الإمام والراد على الإمام كالراد على الله) أو تحت تفسير آية قرآنية لا تتوائم مع خصائص الشخص الذي وظفها ( أطيعوا الله ورسوله … الآية )، أو بقول “من أنتم …!!” احتقارًا وتهكمًا.

إسقاط النفس بيدها

البعض أسقط نفسه بنفسه كفرد أو كمجتمع أو كأتباع دين من خلال أسلوبه غير اللائق في النقد والحديث وانعدام احترامه للآخرين وتهجمه عليهم وتطاوله على أهل الآخرين، والسخربة منهم وإبراز الذات المتضخمه لديه في كل لقاء ومحفل وتجمع ولقاء وحديث. فإن ذلك كشف ويكشف عن كم هائل من العُجب والغرور والأنانية والتنمر والغطرسة، وهذه السمات هي نفسها ما أخرج إبليس من الجنة وجعله من الملعونين (إلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ، قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ، قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى‏ يَوْمِ الدِّينِ)

ماذا يريد المتربصون بكتاب الله

من السهل جدًا معرفة ما يريده المتربصون بالقرآن الكريم. ولعل المتحدث باليوتيوب المرفق كشف بعض الأمور التي يريدها المتربصون عبر تسقيط قيم القرآن الكريم وتفتيتها سواء بمحاربة بناء الأسرة أو الارتباط العائلي أو إباحة المحرمات أو ترويج الإباحية أو التفنن في الإغواء. ملفت للمتابع كمية الطعن تارة، والتسقيط تارة، والتهكم تارة آخرى بكل ما يتعلق بالقرآن الكريم من خلال استخدام عدة أقنعة.

الإسلام يتوافق مع، ولا يتوافق مع…

https://x.com/alarabinuk/status/1969680497748922760?s=48&t=dDobtzm973QXvxxuQFf5Yw

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى