لقاءات صحفية

أمين الحبارة: الكاريكاتير صوتي في زمن الثرثرة.. وفوزي بجائزة الجمهور انتصار للغة الفن العالمية

دلال الطريفي : الأحساء

بخطوطه الساخرة وأفكاره العميقة، استطاع الفنان السعودي أمين الحبارة أن يحجز مكانًا مميزًا في الساحة الفنية العالمية، حيث نال مؤخرًا جائزة الجمهور في مسابقة “كانيفا رايد” الدولية للكاريكاتير في إيطاليا، متفوقًا على مئات المشاركين من مختلف دول العالم.

في هذا الحوار، يكشف الحبارة عن رحلته مع الكاريكاتير منذ البدايات، وأسرار فوزه، ورؤيته لمستقبل هذا الفن في المملكة والعالم.

1. بدايةً.. كيف تعرّف نفسك للجمهور بعيدًا عن الجوائز والألقاب؟

أمين الحباره، من الأحساء يحب أن يروي حكايات الناس بريشة الكاريكاتير؛ حيث أرى نفسي راويًا بصريًا، ألتقط لحظات الحياة اليومية وأحولها إلى رسوم تحمل سخرية لطيفة وتأملًا هادئًا ورسائل هادفة، فأنا أعيش لأرسم ما يتحرك في قلب المجتمع السعودي والعالمي، مع لمسة من الأمل والنقد البنّاء.

2. ما الذي شدّك منذ البداية إلى فن الكاريكاتير دون غيره من الفنون؟

الكاريكاتير كان بالنسبة لي لغة فطرية.

منذ صغري أحببت قدرته على قول الكثير بأقل الخطوط، الكاريكاتير يمنحني حرية التعبير الفوري (الحدث)، كأنني أكتب قصيدة ساخرة بالقلم فكما قال الفيلسوف اليوناني بلوتارخ “الرسم شعر صامت والشعر رسم يتكلم “.

الكاريكاتير فن يجمع بين الضحك والفكر، ينتقد دون أن يجرح، ويقتحم قلوب الناس لطابعه الفكاهي، وأنا بطبعي إنسان أميل للصمت ليكون الكاريكاتير صوتي في زمن الثرثرة.

3. من أين يستمد أمين الحباره إلهامه عند رسم أفكاره الكاريكاتيرية؟

إلهامي يأتي من نبض الحياة (محادثات الأصدقاء، أخبار اليوم، وتناقضات المجتمع بين التقاليد والحداثة، الكتب .. إلخ)، أجد أفكاري في صوت البائع في سوق الأحساء، والنخلة الباسقة في مزرعتي، أو في منشور على وسائل التواصل يثير نقاشًا، والتراث العربي، من الحكايات الشعبية كل ذلك يضيف نكهة خاصة لأعمالي، أحيانًا مجرد لحظة تأمل في زحمة الحياة تكفي لتولد أفكار كاريكاتيرية.

4. حدثنا عن مشاركتك في مسابقة “كانيفا رايد” الدولية.. كيف جاءتك فكرة المشاركة؟

مسابقة ” كانيفا رايد ” أحد أهم مسابقات الكاريكاتير في العالم، في كل عام يخصص موضوع عام للمسابقة فكان موضوع هذا العام (الحب أعمى)، الموضوع أثار فضولي فشاركت بأكثر من عمل في المسابقة، المسابقة مكونة من جائزتين: جائزة للفائزين باختيار لجنة التحكيم (النخبة)، وجائزة باختيار زوار المعرض (الشعبية)، الحمدلله حصلت لوحتي على التصويت الأعلى لزوار المعرض بالمركز الأول بمشاركة مئات الأعمال ووصول للوحتي للمرحلة النهائية لأفضل أربعين عمل، سعيد أن الجمهور الإيطالي المتذوق للفن أُعجب بعملي.

في الحقيقة أتاني إلهام رسم هذه اللوحة عندما كنت على مكتبي وكان أمامي على المكتب أداة اللاصق المكتبي كنت أشاهده وكأنه يشبه الحلزونة من هنا انطلقت شرارة الفكرة، فقررت المشاركة برسم هذه اللوحة لحلزون يقدّم وردة للاصق مكتبي، ظنًا منه أنها حلزونة، الفكرة جاءت من تأملي في كيف يعمي الحب العقل أحيانًا، وسعيد أن فنان الكاريكاتير السعودي قادر على التحدث بلغة عالمية أمام جمهور متنوع.

5. ما الذي يميز اللوحة الفائزة برأيك وجعل الجمهور يمنحها صوته؟

لوحة “الحب أعمى” نجحت لأنها تجمع البساطة والعمق معاً، الحلزون العاشق واللاصق العاجز عن المشاعر يرويان قصة إنسانية عابرة للثقافات: الحب يجعلنا نرى ما نريد، لا ما هو موجود، اعتقد الجمهور أحبها لأنها جعلتهم يضحكون ويتأملون في الوقت ذاته، بساطة الخطوط، الفكاهة الخفيفة، والرسالة العاطفية جعلتها تلمس قلوبهم، فصوّتوا لها بين عشرات الأعمال.

6. ماذا يعني لك الفوز بجائزة الجمهور تحديدًا، وهي جائزة تعكس تفاعل الناس وتقديرهم المباشر لعملك؟

جائزة الجمهور في “كانيفا رايد” كانت لحظة فخر حقيقية لمسيرتي الفنية المتواضعة.

فنان الكاريكاتير يرسم من أجل أن تصل رسالته للجمهور ، أن يختارني مئات الزوار في معرض إيطالي يعني أن رسومي تخطت حاجز اللغة والثقافة، هذه الجائزة ليست مجرد تكريم؛ إنها دليل على أن الكاريكاتير لغة عالمية تصل إلى الناس مباشرة.

فنان الكاريكاتير يرسم من أجل الناس سعيد أن رسالة عملي ليس للنخبة فقط، بل لكل شخص يرى نفسه في خطوطي، وهذا ما يعطيني دافعًا لأستمر.

7. ما أبرز التحديات التي واجهتها كفنان كاريكاتير سعودي في الوصول إلى منصات عالمية؟

التحدي الأكبر عندما بدأت الكاريكاتير سألت نفسي، هل أنا قادر أن أصنع فنانو الكاريكاتير الكبار؟ الحمدلله بالعمل الجاد والاستمرارية الموازنة بين السخرية واحترام الحساسيات الثقافية في مجتمعنا.

في البداية واجهت صعوبة في الوصول إلى منصات عالمية بسبب قلة الدعم المحلي والحواجز اللوجستية مثل السفر، كذلك كان عليّ بناء شبكة علاقات دولية من الصفر، لكن مع الانضمام إلى منظمات مثل “حركة الكاريكاتير”، ودعم رؤية 2030 للفنون، تحوّلت التحديات إلى فرص، مع الحفاظ على هويتي السعودية كمصدر قوة.

8. كيف ترى حضور الكاريكاتير السعودي في المشهدين العربي والدولي؟

للأسف فنان الكاريكاتير السعودي يعيش في عزلة بعد موت الصحافة الورقية، في المملكة الكاريكاتير ليس كباقي الفنون التي تمتلك جمعيات متخصصة لعمل ورش وتنظيم معارض وتبادل خبرات ونقاشات فنية، ففنان الكاريكاتير السعودي يمتلك من المواهب والأفكار العظيمة ولكنه متقوقع مع ذاته. دوليًا على إستحياء بدأنا نحجز مكانًا في المسابقات العالمية، لكننا بحاجة إلى المزيد لننافس الكبار.

9. هل سبق أن واجهت نقدًا أثّر في مسارك الفني؟ وكيف تعاملت معه؟

في بداية مسيرتي صدمت عندما وجّه لي أحد الفنانين نقدًا هدامًا، ولكن قلت قد تنطبق علينا المقولة المشهورة (صاحب صنعتك عدوك)، هذا النقد جعلني أعيد تقييم أعمالي وأفكاري، النقد علمّني كيف أكون أكثر دقة في اختيار مواضيعي، لكنني أؤمن أن الفن الحقيقي يتحمل الجدل ويستفيد منه؛ لذلك فنان الكاريكاتير الحقيقي يلقي برسوماته في الصحف ووسائل التواصل ويستمتع باختلاف وجهات النظر والآراء فالتنوع والاختلاف ضرورة حضارية وثراء.

10. برأيك، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه فن الكاريكاتير في تعزيز الوعي المجتمعي والثقافي؟

الكاريكاتير هو سلاح الوعي الناعم، يستطيع أن يناقش قضايا معقدة مثل حقوق المرأة أو السلام أو قضايا البيئة بطريقة تجعل الجميع يفهم ويضحك، في المجتمع السعودي يمكنه إحياء التراث بطريقة عصرية، وتحفيز النقاش حول التغييرات الاجتماعية.

لوحتي “خارج الحدود” الفائزة بجائزة شرفية في مسابقة سؤلين في كرواتيا مثال على ذلك: تنتقد سوء فهم الحرية بطريقة تجعل الناس يفكرون، إنه فن يزرع بذور التغيير دون أن يُشعر أحد بالوعظ.

11. هل تفكر في تبني مشاريع أو معارض خاصة لتجميع أعمالك وإيصال رسالتك بشكل أوسع؟

أحلم بمعرض يجوب المدن السعودية والعالم، لعرض أعمالي التي تمزج بين السخرية والوعي، وأتمنى تأسيس أول مجلة كاريكاتير سعودية، هذه المشاريع ستكون جسرًا لنقل صوت الكاريكاتير السعودي إلى العالم.

أنا الآن مستمر في إكمال وتوثيق مشروعي في إصدار كتب يضم أعمالي الكاريكاتيرية فقد أصدرت ثمانية كتب إلى الآن، كما أني مستمر في إثراء أدب الطفل وقريبًا أصدر مجموعة من الكتب المهتمة بذلك.

12. وأخيرًا، ما الرسالة التي توجهها للشباب الموهوبين الذين يرغبون في دخول مجال الكاريكاتير؟

للشباب المبدعين: ارسموا كل يوم، حولوا أفكاركم إلى خطوط بسيطة، لتصل إلى قلوب الناس؛ فالكاريكاتير هو صوتكم، فاستخدموه لتحكوا قصصكم، لا تخافوا من الفشل أو النقد، إنهما مدرستكم الحقيقية، ابحثوا عن مجتمعات فنية، سواء محلية أو عالمية، وشاركوا أعمالكم بجرأة، السعودية اليوم تحتضن المواهب، فاغتنموا الفرصة، وتذكروا: كل خط ترسمونه هو خطوة نحو تغيير العالم!

ختامًا، يؤمن أمين الحبارة أن الكاريكاتير ليس مجرد رسومات عابرة، بل لغة بصرية تحمل قدرة على التغيير والتأثير، قادرة على أن تضحك الناس وتفكرهم في الوقت ذاته.

وبين شغفه بإطلاق معرض يجوب العالم وحلمه بتأسيس مجلة كاريكاتير سعودية، يواصل الحبارة رحلته ليجعل من ريشته صوتًا ينقل نبض المجتمع المحلي إلى منصات عالمية، ورسالة أمل وإلهام للشباب المبدعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى