أقلام

الفنون الأدائية التعبيرية، كاثاكالي أنموذجًا

رباب حسين النمر

لفتت انتباهي لوحة كبيرة في إحدى ممرات الفندق بمدينة كوتشي، كان بطل اللوحة رجلًا سمينًا غريب الشكل وقد طلي وجهه كاملًا باللون الأخضر، وأثناء التجوال في بعض محال التحف والتذكارات لفتت انتباهي الشخصية ذاتها في عدة منتجات: مجسمات، ورسومات، وقطع ممغنطة، وغيرها، وهذا ما دفعني الى التساؤل عن ماهية هذه الشخصية، وعن سبب انتشارها، وعن الرمزية التي تتضمنها، وسبب طلاء وجها باللون الأخضر. وبقي هذا التساؤل عالقًا بذهني ولم أكن أعرف حتى اسم الشخصية فسألت من حولي عنها، فقيل لي (كاتاكالي) باللهجة المحلية. وفي أحد الأماكن السياحية كان ثمة عرض معلن عنه يحمل اسم (كاثاكالي)، فحجزنا تذاكر دخول لنكتشف سر هذه الشخصية التي تقابلنا في كل مكان نذهب إليه وبأشكال عدة. حان موعد العرض، اتخذنا مقاعدنا حسب رقم التذكرة، وبدأ عرض سينمائي اختلط بعدة إعلانات تجارية، حينها ظننت بأن العرض سينمائي.

صالة أشبه ما تكون بالصالة السينمائية، يقسمها ممر في المنتصف تصطف على جانبيه المقاعد على الاستواء ذاته دون ارتفاع أو انخفاض، بدأ العرض بشريط سينمائي تضمن عروضّا حية منقولة في أجواء شعبية لكاثاكالي، ثم بعض الإعلانات، وما لبثت الأنوار أن خففت، وشرع البشر يتدفقون إلى خشبة المسرح بدءًا بالفرقة الفلوكلورية النسائية التي تجذب الأنظار بألوان الأزياء الزاهية وتصاميمها الفريدة، ثم ظهور الممثلين الذين ارتدوا ملابس غريبة الشكل قوية الجذب وقد اصطبغت وجوههم بألوان مختلفة، وكانوا يؤدون إيماءات بأيديهم، وحركات قتالية بأجسادهم، مع تحركات سريعة ورمزية في ملامحهم، فالعيون ترمش والشفاة تضطرب، في تناغم عجيب مع الإيقاعات الموسيقية المنبعثة إما من جهاز التسجيل في بعض العروض، أو من قارع الطبل، وقارع الصناج، ويجري قتال فلوكلوري ممتزج بالأداء التمثيلي على خشبة المسرح، ممتد حتى الممر المتوسط في قاعة العرض ينتهي بقتل أحد الممثلين وانتصار الشخصية ذات الوجه الأخضر. كان العرض فريدًا ويحتاج إلى تركيز شديد من الجمهور لمتابعة الأحداث وفهمها ثم استيعابها، وقد اشتهرت ولاية كيرالا بهذا النوع من الفنون الأدائية التعبيرية التي تعد أحد أشكال التعبير الفني، وتتطلب عدة مهارات مجتمعة ليتمكن الممثل من حسن الأداء، مثل براعة الأداء المسرحي، والرقص المتناغم مع إيقاع الموسيقى.

كما تتطلب هذه الفنون الأداء المباشر أمام الجمهور، فهي تجارب حية وملموسة من خلال استخدام الحركة، الصوت، والإيماءات، ولذا تعد منصات قوية للتواصل بين الممثلين والجمهور، كما تعزز هذه الفنون الثقافة الوطنية والهوية الاجتماعية، وتتيح الفرصة للتعبير عن الذات والمشاعر، كما تساهم في تطوير مهارات التواصل والثقة بالنفس، ولذلك يعدها البعض أداة تعليمية تفاعلية للعديد من الأفراد.

تاريخ الفنون الأدائية:

ظهرت أصول الفنون الأدائية في العصور القديمة، باعتبارها جزءًا من الطقوس الدينية والاحتفالات المجتمعية، وكان يمارسها الأفراد للتعبير عن قصصهم وتجاربهم، وهذا ساعد على نقل الثقافة والقيم عبر الأجيال. ثم تطورت الفنون الأدائية عبر العصور مع مرور الزمن لتشمل أشكالاً ومستويات جديدة من الأداء، فظهرت أنماط مختلفة من المسرح والرقص والموسيقى، وتأثرت بالتغيرات الثقافية والاجتماعية.

واليوم، أصبحت هذه الفنون جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في العديد من المجتمعات حول العالم، حيث تستمر في التأثير والتأثر بالحداثة والتقاليد.

كاثاكالي ملك الفنون :

لغة: كلمة كاثا في اللغة المالايالامية تعني (القصة)، وكلمة كالي تعني (اللعب أو الأداء).

اصطلاحًا: كاثاكالي فن مسرحي أو فن سرد القصص وهو أكثر من مجرد سرد قصص فهو شكل فني عميق ومتقن، ويعد من الفنون الأدائية الكلاسيكية، ورمز من رموز التراث الثقافي. ويُعرف كاثاكالي بجمالياته العميقة، وتقنيات أدائه الدقيقة وأنماط التدريب والعرض. ويعرّف على أنه تقليد درامي راقص عبر تقنيات تمثيلية مصممة من خلال إيماءات يدوية مفصلة وتعابير وجه معقدة مدعومة بتقليد موسيقي فريد يعزز تواصله التعبيري، ويرتكز على الرقص والتعبير والأزياء والموسيقى والمكياج.

ويطلق على كاثاكالي ملك الفنون لأنه يجمع بين الموسيقى والأدب والرقص والفنون البصرية في عرض واحد، ويُعد شكلًا من أشكال الفن المسرحي التقليدي الذي نشأ في ولاية كيرالا جنوب الهند، وهو فن يجمع بين الرقص والدراما والموسيقى والتمثيل وحركات اليد المصممة بدقة، ويستخدم طلاءا ملونًا وزيًا دراميًا لتصوير شخصيات من الملاحم الهندوسية مثل رامايانا وماهابهاراتا.

سمات كاثاكالي:

أولًا: طلاء الوجه واللحية والشعر، وهو من أبرز سمات كاثاكالي، حيث يعبر كل لون عن نوع مختلف من الشخصيات، فطلاء الوجه الأخضر يصور أبطالًا نبلاء، وأسخياء للدلالة على النقاء، أما الوجه المطلي باللون الأحمر أو البرتقالي فهو يمثل شخصيات شريرة. وهناك دلالات مختلفة للون الشعر واللحية، حيث يرتدي الأبطال من سكان الغابات ومن الصيادين لحية مطلية باللون الأسود وهم أبطال شريرون نسبيًا، أما اللحية البيضاء فهي للشخصيات الراقية مثل إله القرد في الهندوسية، أما اللحية الحمراء فهي للشخصيات الشريرة للغاية.

ثانيًا: لغة الإشارة الممنهجة التي ترتكز على إيماءات اليدين لتوصيل الأفكار والمشاعر والحالات المختلفة من الوجود.

ثالثًا: تعبيرات ملامح الوجه

ويعد من الجوانب الحاسمة في الأداء، حيث يتم تدريب الممثلين على حركات العينين والشفاه والخدود والعنق بشكل دقيق لتوصيل المشاعر، كما يعتمد على خطوات القدم القوية الإيقاعية وحركات الجسم الفريدة وهي السمات المميزة لكاثاكالي وتؤدي الشخصيات النسائية نسخة أكثر نعومة من الرقص.

رابعًا: الموسيقى المعتمدة على الطبول التقليدية والصنجات (أجراس معدنية) لإضفاء الإيقاع والجو العام للعرض، ويقف خلف الممثلين مغنيان يكرران الأبيات.

خامسًا: الأزياء التي تمتاز بتصميمات ملونة ومبالغ فيها لخلق تأثير درامي بصري قوي، حيث تُلبس أغطية رأس ضخمة وزخرفية على شكل هالة دائرية مصنوعة من الخشب والمُزينة بأحجار ملونة، كما يرتدي الممثلون سترات فضفاضة بقطع كبيرة الحجم لغطاء الجزء العلوي من الجسم والذراعين، وتختلف ألوانها حسب الشخصية، أم التنانير العريضة الواسعة فهي مصنوعة من عدة طبقات من القطن الثقيل.  ويرتدي الممثلون حلي ثقيلة مُذهبة بالخشب ومُزينة بالأحجار على الرقبة والكتفين والمعصمين.  سادسًا: الحبكة القصصية، وغالبًا ما تكون مستوحاة من الأساطير الهندوسية، مثل رامايانا وماهابهاراتا.

سابعًا: التدريب، حيث يخضع دارسو كاثاكالي لتدريبات صارمة، تشمل التدليك بالزيوت وتمارين خاصة بالوجه والرقص والغناء والتعبيرات، ويعد هذا التدريب بالغ الأهمية.

المالايالامية هي لغة ولاية كيرالا، أقصى جنوب الهند. يتحدث بها أكثر من 35 مليون شخص. المالايالامية، إحدى لغات درافيدية، لها أبجديتها وقواعدها الخاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى