أقلام

فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ

أمير الصالح

القرآن الكريم مُربي لمن أراد أن يتأدب بآدابه ويأخذ بيد من اتبعه إلى مجموعة حكم عملية في حقول سلوكية متعددة، منها الإدارة النفسية الحكيمة بطريقة سلسلة وجميلة؛ ولا سيما إدارة المواقف الحرجة وضبط ردود الفعل عند الإصابة بخيبة الأمل ممن أحسن الإنسان إليهم. كم وكم من الناس تذهب نفسه حسرات على من بذل جهده وماله ووقته وصحته وكده وسعيه، دون منٍّ أو أذى، لكي يُعلي من شأنهم ويلمهم ويؤازرهم ويوفر لهم مستوى معيشي مُحترم بعد أن حصد النكران والانقلاب والجحود والتهميش والأذى والتسقيط والإهمال وعدم مراعاة المشاعر. حتمًا هكذا جحود سيحز في نفس المضحي وقد يجرحها بعمق لا يندمل؛ ولكن كتاب الله الكريم ملتفت لمثل هكذا أمور ومشاعر ويذهب بعيدًا ليواسي أصحاب الجهود ويشد من عزائمهم في قوله تعالى:

( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) سورة فاطر، آية 8، صفحة 435

فيا عزيزي الأب (الأم) الوفي، الموظف/ة المخلص، الأخ ( الأخت) الناصح، الكاتب الواعي، الخطيب القدوة، المربي الفاضل، … إلخ، قد تنهك نفسك بالبحث والاطلاع والقراءة والتنقيح والتمحيص والالتزام والوفاء والمبادرة والكتابة والتوجيه والدعوة للتقريب والتجميع ونبذ الخلافات، فيأتي أحدهم ويقول بكل صلافة:

لم نرى أي شي ملموس!

(كل الناس يسون مثل ماسويت، ترى ما عندك شي زايد! ما سويت شي يستحق الثناء!.)

(كل اللي تقولونه كلام في كلام والكلام ما يسوى قرش.) كل هذا المقال أو ذاك الكتاب أو تلكم المبادرة أو ذاك الجهد تم صِنع مثله سابقًا.

انتم قوم ننصحون وتعظون، ولكن أنتم بعيدون عن الواقع لا بل أشد بعدًا!

قد تنفق بسخاء جهدًا ومالًا ووقتًا وتدعو الجميع دون استثناء للخير، فتجد أحدهم سلوكه مصداق المثل الشعبي(وجوه لحم وقلوب فحم)؛ لا بل يتعمد البعض إخفاء مناقب المحسنين من المبادر ويحذفهم من أية دعوة أو حفاوة أو حدث به تبرير أو مشاركة فاعلة!!

هونًا على نفسك

كلام الله العلي القدير بالآية الكريمة أعلاه تعني أن كل ما حدث ويحدث هو بعين الله؛ فيكون لسان حال المؤمن كما هو لسان سيد شباب أهل الجنة، الحسين بن علي (ع)، ” هون ما نزل بي أنه بعين الله ”

اعمل ما يجب واترك ما يكون

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة القصص، آية 56، صفحة 392، هذه الآية تحفز الإنسان على غرس البذرة حيثما كان بالقدر الممكن والمتاح ويترك بلوغ الثمرة بيد الله جل جلاله. وقيل قديمًا “اعمل ما يجب واترك ما يكون “. وهذا من كمال العمل ونقاء النية وطيب الأصل وجميل العمل. ولله در بيت آل محمد (ص) حيث نزلت فيهم الآية القرآنية الكريمة فلا سنابات ولا تيك توك ولا وكالات أنباء ولا تصوير ولا فلاشات ولا جمهور إلا توثيق شهادة الله لهم بأنهم خير الخلق قولًا وعملًا، فجعل سلوكهم قرآنًا يُتلى ليل نهار: (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُورًا) ، سورة الانسان، آية 9.

همسة :

لمن يعتقدون أنهم أناس صالحون بالأعمال، عندما ترى الآخرين يبذلون ما في وسعهم لصنع الأفضل بالكلمة والأفعال البناءة، فلا تحبطهم أو تسفه من جهودهم إن كنت من الصالحين، وإن كنت صادقًا في لم الشمل فلا تنخر في جسم الأسرة/ المجتمع تحت مظلات مختلفة حتى لو كانت مسمى لقاء أسري أو عمل تطوعي أو مسابقة خيرية أو قروب تربوي أو معايدة أو إفطار رمضاني أو … أو … إلخ عبر التحيز أو المفاضلة أو المناكفة أو التهميش المتعمد أو الغمز أو اللمز أو السخرية. الصادقون يعرفون بسيماء أعمالهم وصفاء نياتهم وطهارة سلوكهم. فالمناكفون يُعرفون من لحن كلامهم وكثرة ريائهم وتعدد أقنعتهم وكثرة شغفهم بالبروز الباطل وتعدد مواقف استفزازاتهم للآخرين وتنامي استغلالهم للآخرين. وقد قال تعالى في حق أولئك ( وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى