أقلام

مرآة الذات

السيد فاضل آل درويش

ورد عن الإمام العسكري (ع): (كفاك أدبًا تجنّبك ما تكره من غيرك)( بحار الأنوار ج ٧٥ ص ٣٧٧).

تشير هذه الحكمة السنية إلى مبدأ جوهري في تحقيق الذات والانطلاق في التعامل الإنساني وفق مباديء راسخة ووازنة، تعيد صياغة النفس مكللّة بالتهذيب والتزكية والتخلي عن حركة التقيّد بالأهواء والانفعالية، فمن الخطأ الانطلاق في ميادين الحياة العملية وإقامة العلاقات المختلفة ونحن تخفى علينا الصورة الحقيقية لذواتنا واكتشاف أوجه القوة والضعف فيها، إذ أن التعامل بالمثل وفق مبدأ الاحترام والتقدير لن يتأتّى من طرف واحد وكأنه شخص يسير برجل واحدة، بل هناك مبدأ مهم وهو تبادل حقوق احترام شخصية الآخر وحديثه وأفكاره بغض النظر عن التوافق والقناعة بها، فالمعاملة بالمثل وفق المنظومة الأخلاقية يرسم معالم الاتزان والقوة والتماسك في العلاقات بين أفراد المجتمع، كما أنه على المستوى الفردي تؤسس هذه القاعدة التربوية لتهذيب النفوس (الرقابة الذاتية) من الرذائل الأخلاقية والأفعال الانفعالية.

أساس الأدب والتعامل الراقي بين الأفراد هو مراعاة الآخرين وضبط النفس والانفعالات خصوصًا في المحطات الصعبة، فما لا تحب أن تراه أو تشعر به من تصرفات الآخرين تجاهك سواء قولًا أو فعلًا أو حتى نية فاحذر و تنبّه أن يصدر منك، فالإمام العسكري (ع) يُرشد إلى أن أساس التهذيب والأدب يكمن في هذا المبدأ الذهبي: ( لا تفعل بالآخر ما لا تحب أن يُفعل بك).

الحكمة السنية تركز على الضمير الحي الذي ينظر للأمور بعين الاتزان والحكمة قبل أن يتفوّه بأية كلمة أو يخطو أية خطوة، و تدعو إلى أن يكون الإنسان هو الرقيب الأول على نفسه، فبدلًا من أن يُملى علينا ما يجب فعله و ما لا يجب فلنجعل مرآتنا هي نفوسنا، فهل ترضى بأن يتعامل الآخرون معنا بمثل هذا الأسلوب أو التصرف؟

حين يتجنب الإنسان ما يكرهه من غيره فإن ذلك يولد توازنًا أخلاقيًا في العلاقات الاجتماعية ويرتقي بها إلى أفق المسؤولية وحفظ النفس من السقوط في مستنقع التعاملات السيئة، كما أنه يمنع التجاوز على الغير والتعامل بالأساليب الانتهازية.

ولن يكون هناك من أسلوب في تهذيب النفس وتساميها على المشاعر السلبية بالتشفي وحب الانتقام وتغلغل الأحقاد، كما هي المشاركة الشعورية وذلك بأن تضع نفسك مكان الآخر، فأساس التفاهم والتجاوز عن المسيء وإشاعة روح التسامح يكمن في النظر بين الذات والآخر، إذ تجعل الذات مرآة ومعيارًا في الحوارات والتعاملات مع الآخرين.

هذه الحكمة إذا طُبّقت على مستوى الأسرة والتعامل بين الزوجين فسترتقي تلك العلاقة وتحافظ على استقرارها وتألّقها، فيصبح مراعاة التعامل مع الآخر برقي بعيدًا عن التهوّر والانفعالات والصراخ هو أساس التعامل بين الزوجين، لننطلق بعد ذلك على مستوى العلاقة بين الجيران والأصدقاء وعموم أفراد المجتمع لتقوم على وضع خطوط حمراء أمام الأفعال المسيئة كالظنون السيئة والغيبة والكذب ومقاطعة الآخرين في أحاديثهم أو تحقيرهم، إذ يراعي الفرد الآخرين من خلال تهذيب نفسه وجعلها ميزانًا للتعامل مع الغير برقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى