أقلام

جمال وجوهر

السيد فاضل آل درويش

ورد عن أمير المؤمنين (ع): (ميزة الرجل عقله، وجماله مروءته)(غرر الحكم : ٩٧٤٩).

هذه الحكمة السنية تتناول مفاهيم ورؤية فكرية وسلوكية تضع الإنسان في طريق السمو والرفعة الأخلاقية، وذلك بتبيان جوهر الإنسان والمؤشر الدال على سلوكه طريق الرقي الحقيقي، فهناك من المظاهر والأقنعة الزائفة التي قد تعطي قيما وهمية وتختفي معها المعالم الحقيقية لشخصية ذلك الإنسان ولا تظهر إلى إذا انتُزعت تلك الفقاعات، فلا المظاهر تعدّ العلامة المميزة والمؤشر المعتمد لتحديد معالم شخصية الإنسان، ولكن العقل الواعي والقادر على التعاطي بإيجابية مع الصعوبات والأزمات والقادر على التمييز بين طريق الخير والشر، وكذلك المنظومة الأخلاقية والتربوية التي يتحلّى بها ويتعامل مع الآخرين على أساسها هو ما يبرز معالم شخصية الإنسان والمضامين والأفكار التي يؤمن بها، ومتى ما غفل الإنسان عن سيطرة العقل الناضج ونحّاه جانبًا وسار خلف الأهواء العمياء والانفعالات المحتدّة، فإنه حينئذ يتخبّط في خطواته وقراراته ويبدأ مسلسل الخسائر الفادحة.

فالعقل ليس مجرد أداة تفكير أو حساب، بل هو الجوهر الذي به يتمايز الإنسان عن سائر الكائنات، فالعقل لا يُوصف بأنه آلة ذهنية فحسب بل هو المعيار الحقيقي لتميّز الإنسان، فيعرف العاقل الأريب بقدرته على استعمال عقله في طريق الخير وتحقيق العدل وبناء نفسه ومجتمعه.

العقل الواعي هو الحصن المنيع أمام السقوط في أتون اليأس والتشاؤم بسبب العراقيل والعثرات وأخطاء الماضي، والدرع الواقي أمام تزيين الشيطان والاستجابة العمياء للأهواء، فتتخذ خطوات الإنسان المتزن فكريًّا وأخلاقيًّا مسار الضبط والتروي قبل اتخاذ القرار بعيدًا عن التهوّر و الانفعالية، فالعقل هو الأساس في بناء الشخصية الإنسانية المتزنة والمتألقة.

أما المروءة فهي مفهوم أخلاقي يشير إلى التصرّف النبيل الذي يصدر عن صاحب خُلق كريم في السرّ كما في العلن، والإمام (ع) يوجّه النظر إلى أن الجمال ليس في الشكل ولا في اللباس ولا في المظهر، بل يكمن في التصرفات التي تنبع من أعماق النفس الذي يُثمر محبة الناس وبناء جسور الاحترام والثقة بينهم.

وتتدلّى ثمار شجرة المروءة متنوعة بين حفظ الفرد كرامته من دنس النقائص والمعايب، كما أنه يصون لسانه من السوء والبذاءة والسلاطة التي تجرح مشاعر الآخرين وتنبت الكراهية في القلوب، كما أن علاقته بالآخرين عنوانها وهويتها العطاء بكافة أشكاله متجلّيًّا فيها الكرم، وبهذا تتحوّل المروءة إلى صورة سلوكية من الجمال المتحقق وتبرز في لحظات ومحطات الاختبار الأخلاقي وكيفية التعامل مع الآخرين ليس في التجمّل الخارجي لوحده.

العقل يقود الإنسان نحو التحلّي بالطباع و الصفات المحلّقة به في عالم التكامل، والمروءة تجسيد على أرض الواقع لما يحفظ كرامته ويبني ذاته، فالعقل هو الذي يهديه ومروءته تُجمّله، وهذا ما يدعوه إلى أن يسعى لبناء عالم يقوم على القيم الأصيلة وليس على مظاهر خادعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى