
السيد فاضل آل درويش
ورد عن الإمام السجاد (ع): (ثلاث منجيات للمؤمن: كف لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته)(بحار الأنوار ج ٧٥ ص ١٤٠).
رسم معالم الشخصية الإيمانية هو تسليط الضوء على القدرات والصفات التي تسعى بالفرد نحو علياء التكامل والابتعاد عن وحل النقائص والعيوب، وفي هذه التحفة يبين لنا الإمام السجاد (ع) الجانب الأخلاقي وطريقة التعامل مع الآخرين وبناء جسور الاحترام والمحبة والتفاهم والثقة، وذلك من منطلق احترام شخصية الآخر حتى في حال غيابه وتجنّب الحديث عنه بسوء (الغيبة والنميمة وأشباهها من الإساءات اللفظية)، فكم من العلاقات الأسرية والاجتماعية تعرضت لضربات قوية أدّت إلى انهيارها وانقلابها إلى قطيعة وعداوة وخصومات بسبب كلمة سوء قيلت بغير حساب، وهذه الحصانة الكلامية وحفظ الآخرين في المجالس والحوارات يجري وفق منظومة قيمية تجرّم الإساءة والغمز واللمز وتناول شخصيات الغير بما يحط من قدرهم و يسوؤهم، حفظًا للفرد من هذا السقوط المدوّي حيث يفقد ودّ الآخرين لما عرفوه عنه من عدم حفظ شخصية الآخر، فضلًا عن النار التي يشعلها على نفسه فتحرق صحيفة عمله و تتآكل حسناته، والإمام السجاد (ع) يجعل كفّ اللسان عن الناس – خصوصا في موضوع الغيبة – أولى المنجيات، وذلك لأن الغيبة تمثّل خرقا صارخا لحرمة الآخرين وتدميرًا خفيًّا لأواصر الثقة والتواصل بين أفراد المجتمع.
الغيبة هي ذكرُ أخيك بما يكرهه لو بلغه في مختلف صفاته الخَلقية والخُلقية، وهي آفة أخلاقية واجتماعية مدمّرة ولا يمكن إيقاف مخاطرها إلا من خلال النباهة ويقظة الضمير ومحاسبة النفس وتهذيبها.
ومن معالم الشخصية الإيمانية هو استثمار الوقت والجهد إيجابيًّا بقصر الانشغال والاهتمام بتطوير قدراته واكتساب المهارات والإمكانات التي يحلّق بها في فضاء الإنجاز والعمل المثابر، سواء كان على مستوى الطموحات الدنيوية وتحقيق الأهداف الدراسية والمهنية والأسرية وتربية الأبناء، أو على المستوى الأخروي والعلاقة القربية من الله تعالى وإتيان الطاعات والأعمال الصالحة، والإمام السجاد (ع) لم يفصل بين ما ينفع في الآخرة وما ينفع في الدنيا بل جعلهما في نسق واحد، وهذا يعكس فلسفة الإسلام المتوازنة التي ترى الحياة الدنيا مزرعة للآخرة وميدانًا للحرث والزرع بما يحصد نتائجه في الآخرة.
ومن معالم بناء الشخصية الإيمانية وهو من نتائج محاسبة النفس والوقوف على نقاط الضعف والتقصير وأوجه الأخطاء التي ارتكبها، ألا وهو الإمساك ببداية خيط التصحيح والتغيير الإيجابي والنهوض مجددًا، من خلال الاعتراف بالخطأ والندم الإيجابي على ما مضى من خلال طول البكاء، وهو تعبير عميق عن صدق الندم والاعتراف بالذنب أمام الله، فالبكاء على الخطيئة هو نوع من التطهير الداخلي للنفس ووسيلة للمراجعة والتقويم، حيث يذكّره البكاء بضعفه أمام القدرة الإلهية المطلقة فيطلب العون والعناية لفقره، كما تتحوّل تلك المرحلة المفصليّة إلى دافع نحو العمل الصالح.