
د. حجي الزويد
خلافًا للحليب الصناعي، فإن الأبحاث الحديثة كشفت أن حليب الأم يتغير حسب الوقت من اليوم.
في كل قطرة من حليب الأم سرٌّ من أسرار الخلق والإعجاز، لا يقتصر دوره على تغذية الطفل فحسب، بل يتعدى ذلك إلى تنظيم إيقاع حياته اليومية منذ أيامه الأولى. فقد كشفت الأبحاث الحديثة أن تركيبة حليب الأم تتغيّر تبعًا للوقت من اليوم، في انسجام مدهش مع ما يُعرف بـ”الساعة البيولوجية” للجسم.
وهذا يعني أن الرضاعة الطبيعية لا تغذي فقط بل تنظم حياة الطفل من الأيام الأولى.
حليب النهار: وقود النشاط والانتباه:
في ساعات الصباح والنهار، يحتوي حليب الأم على نسب أعلى من الكورتيزول وبعض الأحماض الأمينية التي تعزّز اليقظة والنشاط الذهني، وتساعد الطفل على التفاعل مع البيئة المحيطة والتعلّم المبكر. كما تكون مستويات الميلاتونين شبه معدومة، بما يتناسب مع حاجة الجسم للبقاء مستيقظًا ومنتبهًا.
حليب الليل: وصفة النوم الهادئ:
أما في الليل، فيتحوّل الحليب إلى مزيجٍ مهدّئٍ وغنيٍّ بـالميلاتونين والنيوكليوتيدات التي تساعد على الاسترخاء وتنظيم دورة النوم. كما تزداد فيه نسبة بعض الدهون التي تمنح شعورًا بالشبع وتطيل فترات النوم، فينام الطفل بعمق أكبر.
تزامن الأم والطفل: انسجام فطري:
بهذا الإيقاع الطبيعي، تُصبح الأم بمثابة ساعة بيولوجية حيّة تضبط نوم طفلها ويقظته، وتزرع في جسده أولى ملامح الانتظام الحيوي. لذا، فإن الرضاعة الطبيعية ليست مجرد تغذية، بل هي أيضًا وسيلة تربوية فسيولوجية تُعلّم الطفل التوازن بين النهار والليل، وتُسهم في نمو دماغه وسلامة جهازه العصبي والمناعي.
رسالة للأمهات:
عندما ترضعين طفلك في أوقات منتظمة من اليوم والليل، فأنتِ لا تمنحينِه الحليب فقط، بل تزرعين داخله نظامًا حيويًا دقيقًا سيؤثر في نومه، مزاجه، ونموه لسنوات قادمة. إنها هدية الأمومة التي لا تُقدّر بثمن، وهذا ليس متاحا في الحليب الصناعي.
لذا ينبغي للأمهات عند شفط الحليب و تخزينه، كتابة الوقت الذي شفط فيه الحليب، كي يعطى للطفل في نفس الوقت الذي شفط فيه أو في في وقت قريب منه.