
كميل السلطان
من نعم الله عز وجل أن سخر لنا حواسا نستعين بها في حياتنا، نعمة كنعمة السمع هي وسيلة استقبال واستجابة لصدور صوت ما من هنا وهناك، وهي من أهم وسائل التواصل التي كان لها أثر كبير في تواصل البشرية سواء مع بعضها البعض أو مع المخلوقات الأخرى من حولها، فقد استفاد الإنسان من هذه الوسيلة في نقل وتلقي الخبرات والتجارب والعلوم والبحث والاستفهام فأخذ يحقق تطورًا هامًّا في حياته وتطور البشرية مرورًا بحقب تاريخية ومنعطفات كثيرة وصولًا لما نحن عليه اليوم.
ولأن الإنسان بما أنعم الله عليه من نعم كائن متأثر بما حوله، بدأ يتأثر بالأصوات التي يسمعها من حوله فأخد يميز تلك الأصوات سريعًا، فميز أصوات الحيوانات وأصوات الطبيعة كالريح وحفيف الأشجار والبحار والرعد، ومن خلال تمييزه لهذه الأصوات بدأ بتقليدها كتفاعل واستجابة لما يسمع فبدأ يحاكي أصوات العصافير والطيور والريح متأثرًا بجمال أصواتها، ثم بدأ يصدر أصواتًا معينة للتواصل مع بعض الحيوانات التي سخرها الله له لطلب أمر ما من تلك الحيوانات مثل التوقف أو العدو أو الابتعاد أو إيصال شعور معين لذلك الحيوان بالغضب أو الرضا.
مع استخدام الإنسان لتلك الأصوات ومحاكتها والتأثر بها بدأ بمعرفة الألحان والموسيقى إذ لامست تلك الأصوات في الطبيعة حاسة السمع لديه وأخذت تؤثر بجمالها على ذوقه العام والخاص، وبحثًا عن إشباع هذه الحاسة بما لها من رغبات بدأ يبتكر آلات موسيقية خاصة لإصدار أصوات معينة وألحان من خلال تقليد ما خزنته أذنه، وتفنن في تطويرها شيئًا فشيئًا، وأخذت هذه العلاقة بين الإنسان والأصوات من حوله في التقدم والتطور حتى بدأ ينوع في ابتكاراته لأدوات الأصوات المحببة لديه والأصوات التي يريد إصدراها لأمر ومنها اخترع الطبل والمزمار وغيرها الكثير من الأدوات والآلات الموسيقية.
ومنذ أن ابتكر الإنسان بعض الأدوات كالطبول مثلًا بدأ في استخدامها في الحروب بعدة استخدامات، فقد كانت الطبول من أبرز الأدوات التي ابتكرها واستخدمها الإنسان واستفاد منها حيث كانت تحل محل مكبر الصوت في يومنا هذا باعتبارها وسيلة إعلان وتنبيه لإيصال خبر ما أو معلومة أو إصدار أمر ما، فاستخدمت في الحرب بإيقاعات عدة منها ما كان لتهيئة الجيوش وبث الحماسة فيهم ورفع معنويات الفرسان وتحفيزهم على القتال في ساحات الوغى وبث الرعب في نفوس الأعداء، واستخدمت كذلك في إصدار الأوامر والتعليمات للجنود بإيقاع متفق عليه مسبقا باعتباره جزءًا من الإعداد والخطة العسكرية من قبل قائد الجيش لصفوف المعسكر، سواء الأمر ببدء القتال أو الاستراحة أو الانسحاب أو إعلان الانتصار ونهاية الحرب، كما أن كثيرًا من الحضارات استخدمت الطبول والأدوات الموسيقية في غير الحروب، فقد استخدمت بعض الأمم تلك الأدوات في ممارسات طقوس وشعائر دينية ومناسبات اجتماعية مثل الأفراح أو الأحزان.
ولعل في زمننا الراهن قد اختزلت كثيرًا تلك الاستخدامات لتلك الأدوات لتصبح في مجالات محدودة بعدما كانت وسيلة فاعلة لكثير من الأمور والاستخدامات العسكرية والاجتماعية خصوصًا مع التطور الكبير في حياتنا اليوم فلم يعد لها الكثير من الحاجة في تلك المجالات، إلا أنه قد استوقفني مشهد منذ أيام خلت في أحد ملاعب كرة القدم حيث كان جمهور أحد الفرق يقرع الطبول بشكل مؤثر ليبث الحماسة في نفوس فريقه وهو ما تحقق فعلًا فقد كان لوقع ضرب الطبول أثر كبير في بث الحماسة وتفاعل اللاعبون مع إيقاع الطبول، مشهد يمثل أحد مشاهد الحروب العسكرية قديمًا في استخدام المؤثرات الصوتية لبث الحماسة في نفوس الجنود، واقعًا إن مباراة كرة القدم لا تزال تحتفظ بتكتيكات الحروب وخططها وأدواتها وكأنها حرب ولكن رياضية سلمية الغلبة لمن يفوز ويسجل، والحاجة ظاهرة لاستخدام تلك الأدوات حتى مع تطور الوسائل والتكنولوجيا، فنزول اللاعب لأرض المعلب يعني انقطاع أية وسيلة اتصال بأي جهاز حديث، ومع صخب الجماهير واحتدام المنافسة فليس من وسيلة لبث الحماسة ورفع المعنويات أنجع من قرع الطبول وهتافات الجماهير، تلك الأصوات والمؤثرات تعطي ثمارها على اللاعبين فتخلق جوًّا حماسيًّا وتثير فيهم الحماسة التي يريدها المشجعون.
الأصوات عالم كبير وعلم عميق تفرع منه كثير من العلوم، تدرس في الجامعات ولها اختصاصات كثيرة ومتعددة لما لها من أهمية كبرى في تحقق التواصل والتفاهم والتسلية والاستئناس، بل حتى أنها دخلت عالم الطب كجزء من العلاج أو مشكلة تحتاج لعلاج بحد ذاتها.