أقلام

القانون والأخلاق.. سِر استقامة الإنسان وسلامة المجتمع

أمير بوخمسين

القانون هو ما تسنّه الدول لتنظيم العلاقات بين الناس وضمان الحقوق والواجبات، والأخلاق هي القيم التي تنبع من وجدان الإنسان، ومن إيمانه، ومن ثقافته، وتشكّل سلوكه حتى في غياب الرقيب.

إن القانون يردع الناس عن الشر خوفًا من العقوبة، بينما تردعهم الأخلاق عنه حبًّا في الخير. وإن كان القانون يحكم الظاهر، فإن الأخلاق تحكم الباطن، وفي التقاء الاثنين تنشأ العدالة الحقة، ولا غنى عنهما لبناء الحياة العامة، وحين تتسق القوانين مع القيم الأخلاقية، يصبح المجتمع أكثر انسجامًا وعدلًا.

تتسق القوانين مع القيم الأخلاقية من خلال عدة طرق تسمى أساسيات العدالة. وغالبًا ما تُبنى القوانين على مبادئ العدالة والمساواة، التي تعد قيمًا أخلاقية أساسية. ولذلك تعكس القوانين ما يُعد عادلًا في المجتمع. وتهدف القوانين إلى حماية حقوق الأفراد، مثل حقوق الإنسان والحرية، وهي قيم أخلاقية تعترف بها معظم المجتمعات، كما تستند كثير من القوانين إلى الأعراف والتقاليد الثقافية التي تعكس القيم الأخلاقية للمجتمع. فعندما تتسق القوانين مع هذه الأعراف، تكون أكثر قبولًا من قبل الأفراد. ويمكن أن تُستخدم القوانين لتوجيه سلوك الأفراد نحو قيم معينة، مثل الصدق، التعاون، والاحترام. على سبيل المثال، القوانين ضد السرقة والغش وتدعم قيم الأمانة.. استجابة للتغيير الاجتماعي، فمع تطور القيم الأخلاقية في المجتمع، يمكن أن تتكيف القوانين لتعكس هذه التغيرات. فمثلًا، التغييرات في القوانين المتعلقة بالزواج أو حقوق الأقليات تعكس تغيرًا في القيم الأخلاقية. تفاعل هذه العناصر يساعد في الحفاظ على توازن بين القوانين والقيم الأخلاقية، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي والعدالة.

فعلى سبيل المثال، حين يجرم القانون الرشوة أو الكذب في الشهادة، فهو لا يفعل أكثر من تجسيد مبدأ أخلاقي راسخ وهو أن الحق لا يشترى، وأن الشهادة أمانة.

وحين يعاقب القانون على السرقة، فإنه يعزز قيمة الأمانة، وحين يحمي الضعفاء والمستضعفين، فإنه يترجم مبدأ الرحمة والعدل الذي دعت إليه الأديان. ولكن الخطر يبدأ حين ينفصل القانون عن الأخلاق.

وقد تُسن قوانين جائرة تبرر الظلم، أو تقنن الفساد، أو تميز بين الناس على أساس العرق أو النفوذ أو الولاء. وهنا يصبح القانون نفسه أداة للانحراف، بدلًا من أن يكون ميزانًا للعدل.

كقوانين الفصل العنصري في جنوب إفريقيا التي كانت قانونًا، ولكنها خالفت أبسط مبادئ الأخلاق الإنسانية. وفي عهود كثيرة، كانت القوانين الظالمة ضد المرأة أو الأقليات تطبق باسم النظام، ولكنها تناقض روح العدالة.

حتى في حياتنا اليومية، حين يتجاوز موظف حدود ضميره ليستغل ثغرة في القانون لمصلحة نفسه، يكون قد خان الأخلاق وإن لم يخالف النص القانوني.

وفي سيرة الرسول محمد صل الله عليه وآله سلم تتجلى أرقى صورة لوحدة القانون والأخلاق. حيث قال: ” إنما هلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد “. كان يؤسس لمبدأ أن العدالة لا تعرف الوجوه، ولا تقاس بالجاه ولا بالنسب. وعلينا أن ندرك أن المجتمعات لا ترتقي بتشديد العقوبات فقط، بل بتغذية الضمائر.

يصبح القانون أداة للأخلاق عندما يتماشى مع القيم والمبادئ الأخلاقية السائدة في المجتمع. وذلك من خلال عدة حالات.. تحديد المعايير.. يحدد القانون المعايير السلوكية المقبولة في المجتمع، مما يساعد الأفراد على فهم ما هو صحيح وما هو خاطئ.. ويوفر القانون آليات لتحقيق العدالة، مما يضمن حماية حقوق الأفراد ويعزز من المساواة، كما يساهم وجود قوانين صارمة في ردع الأفعال غير الأخلاقية من خلال فرض عقوبات على المخالفين. ويسهم القانون في تثقيف المجتمع حول القيم والأخلاق، من خلال نشر الوعي بالقوانين وأهمية الالتزام بها، ويضمن القانون المساءلة، حيث يمكن محاسبة الأفراد والمؤسسات على أفعالهم غير الأخلاقية. ويمكن أن يعكس القانون القيم الاجتماعية والثقافية، مما يعزز من تقبل المجتمع للقوانين ويشجع على الالتزام بها. بهذه الطرق، يمكن أن يكون القانون ليس فقط وسيلة لتنظيم السلوك، بل لتعزيز الأخلاق والقيم في المجتمع أيضًا. إذن: العلاقة بين القانون والأخلاق هي علاقة ديناميكية تتطلب التوازن والتكيّف المستمر. فحين يصبح احترام القانون نابعًا من الإيمان الداخلي، لن نحتاج إلى شرطي في كل زاوية. القانون دون أخلاق يفقد روحه، والأخلاق دون قانون تفقد قوتها التنفيذية. وكلاهما معًا هما سر استقامة الإنسان وسلامة المجتمع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى