بين يدي الذكاء العاطفي

السيد فاضل آل درويش
ورد عن أمير المؤمنين (ع): الحِلم نظامُ أمرِ المؤمن)(غرر الحكم ١٤٢٠).
ما هي أهم مقومات الشخصية المتألقة التي تأخذ بيده في طريق التصالح مع الذات والنجاح في علاقته مع الآخرين؟
السلوك الإنساني يسير وفق مجموعة من النُظُم والمنهجيات التي ترسم معالم تفكيره وتصرفاته على أرض الواقع، كما أن العلاقة بالآخر تتأرجح بين الترسخ والاستقرار أو الاضطراب والتوتر بسبب طريقة التعامل المتبادلة، فلحظات الانفعال والتعرض للاستفزاز وإثارة الوجدان تلهب المشاعر وتبرز فورة الغضب وفقدان التحكم في النفس والجوارح وإخماد ضوابط العقل الواعي، وحينئذٍ لا يمكن للفرد أن يضبط إيقاع كلامه ولا حركاته بل يظهر كفرد آخر لا يمكن التنبّؤ بردات فعله الملتهبة، وهنا يشير الإمام (ع) إلى النظام الذي يحتكم له الفرد في كل أحواله – خصوصًا في أوقات العصبية – ويقوده نحو اتزان انفعالي وسلوكي في مواقفه وتصرفاته، فكثير من الخسائر والأخطاء التي نرتكبها هي ردات الفعل الانفعالية لأي سبب كان، فيصدر منا كلمة قاسية أو بذيئة أو فعل نندم كثيرًا على صدوره وقد لا نستطيع تفادي تداعياته وآثاره الوخيمة على مستوى علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، وليس هناك من منظومة تحافظ على توازننا وردات فعل محسوبة وواعية إلا من خلال ضبط النفس عند الغضب والقدرة على استيعاب المواقف دون انفعال مفسد للعقل أو السلوك.
الحِلم هو ملكة عقلية ونفسية تجعل الإنسان يضبط انفعالاته ويزن أفعاله بميزان الحكمة، وذلك لا يتم إلا من خلال الحِلم أي ضبط النفس في الأوقات العصيبة وعند التعرض للاستفزاز، حيث يمنحه تماسكًا داخليًّا وقدرة على تقدير خطواته وقراراته بناء على تفكير متأنٍّ.
الإمام علي (ع) لا يتحدث عن الحِلم بوصفه حالة نفسية سلبية (أي مجرد كبت الغضب)، بل بوصفه فعلًا معرفيًّا نابعًا من بصيرة عقلية وإدراك لحقيقة الأشياء. فالحليم يعي حقيقة الموقف ولا يقع أسيرًا لانفعالاته الملتهبة ولا يندفع برد فعل غير مدروس.
الحِلم يحقق ضبط النفس ويمنع المؤمن من أن يكون أسيرًا لنزواته أو لردود فعله العاطفية، ففكرة الانتصار للنفس يندفع خلفها الفرد دون أن يعي النتائج المترتبة على سيره كالأعمى خلف انفعاله الشديد، وضبط النفس يوفر حالة من الاستقرار الاجتماعي ويأخذ بالعلاقات بعيدًا عن التوترات والتشنجات الناجمة من كلمات ومواقف متفلّتة في لحظة غضب، كما أن حالة التصعيد والسخونة في المواقف والحوارات لا يمكن كبح جماحها إلا من خلال تهدئة المشاعر وتجنب إشعال فتيل الخلافات، فقدرة الإنسان على معالجة المواقف بوعي قبل اتخاذ القرار (الذكاء العاطفي).
الفرد العاقل هو القادر على إدارة الأزمات دون أن ينفعل أو ينتقم ويواجه المواقف الصعبة والمشادات الكلامية بالحِلم والحكمة رغم الاستفزازات، فيدير علاقاته الزوجية والأسرية والاجتماعية بعقلية واعية بخطورة ردات الأفعال الانفعالية.




