أقلام

فلسفة الاحتواء

عواطف الجعفر

إن الله تعالى واجب والوجود وخالق الوجود وتتجسد معاملته

لنا وللكون بكل معاني

الاحتواء من الرحمة والعطف والحب والكرم والرزق واللطف

والعناية والرعاية. والستر الذي يعامل بها مخلوقاته بكل أصنافها من محسوس وغير محسوس

ومن ما يُرى وما لا يُرى بالعين المجردة،بكيفية إلهية مضمونة ومستمرة الوجود والدوام السرمدي،

فنرى الكون بكل ما فيه من كواكب، وحيوان، ونبات، وطبيعة متنوعة التضاريس قائمٌ على مفهوم الاحتواء، من المنظور المادي والمعنوي.

فالكون يحوي ويضم الكواكب،

كما تحضن الأم صغارها، ودرب التبانة تحوي وتضم مجموعة من الكواكب الكبيرة، ومنها الشمس.

والشمس والقمر يؤديان دور المحتضن، حيث يحتضنان السماء مع النجوم الزاهرة.

وإن جئنا إلى مملكة الحيوان، فإنَّ فلسفة الاحتواء عندها تُترجَم

من خلال الزواج، والبحث عن الطعام، ورعاية صغارها.

وفي عالم النبات، لا يختلف مفهوم الاحتواء عنه في عالم الحيوان؛

فالنبات يحتضن التربة من خلال سيقانه التي تتجذر في أعماقها،

وكلما زاد احتواء التربة لسيقان النبات كانت جذوره أعمق وثباته أقوى.

ولو تأملنا في حياة البشر،

لوجدنا لمفهوم الاحتواء مجالاتٍ كثيرةً ومعانيَ أعمق؛ فجدار العزلة الناتج عن العصبية، والتوتر،

والقسوة، والجفاف العاطفي، وغيرها،

ما هو إلا دليلٌ على غياب شمس الاحتواء من عقل الإنسان وقلبه.

غياب الاحتواء النوراني الذي أودعه الله تعالى في قلوبنا جميعًا.

فماذا لو تدرب الإنسان على تشغيل أنظمة الاحتواء في حياته الخاصة والعامة الموجودة داخل كيانه

حينها سنرى جماليات الاحتواء تتجلى في:

احتواء الزوج لزوجته والعكس،

بنظرة رحمة، وكلمة طيبة، وتعامل لطيف، وتغافلٍ عن أخطاء الطرف الآخر، وحفظٍ لكرامة كلٍّ منهما في تعامله مع الآخر.

ولو احتوت الأم أبناءها بكلمات الحب، والتشجيع، والهدوء، والنصيحة الحسنة، لكان ذلك حمايةً لهم من ذئاب برامج التواصل الهدامة والمدمرة، ومن الضياع النفسي والسلوكي. ولو احتوى الصديق صديقه في العمل أو الدراسة أو الصداقة لمجرد الصداقة

بالتعامل اللطيف الصادق والمودة،

لاختفت حينها أشباح الحقد، والحسد، وسوء الظن بينهم.

ولو احتوى الأبناء والديهم بالرعاية الرحيمة، وبالنبرة الحنونة، والكلمات ذات البلسم الشافي لقلبيهما،

لتلاشى من قلبي الوالدين الهمّ

والغمّ والحزن، و لزال شعورهما بالوحدة.بعد كبرهما في العمر

ولو تراحم الناس فيما بينهم في مجالات الحياة كلها، لتحوّلت الحياة إلى جنةٍ جميلة يسودها الأمان والسلام.

فالاحتواء ليس ضعفًا، بل قمة القوة الهادئة. ففي زمن الجفاء يكون الاحتواء بطلًا صامتًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى