النهاية المؤلمة

فاضل هلال
قدر الله وما شاء فعل
نحن نعلم وعلى يقين بأن المكتوب في اللوح المحفوظ مقدر على الإنسان وواقع عليه لا محالة طال الزمن به أم قصر. فهذا قضاء الله عز وجل وحكمته. وقد تتغير هذه القضاءات الإلهية بالدعاء لله عز وجل. قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [ غافر: 60]
وهذا أمر من الله عز وجل لعباده بالدعاء والتضرع إليه، فلا يصدر من الله عز وجل كلام أو أمر لا يتحقق وهذا الأمر من الله بالدعاء قد يغير القدر المكتوب في لوح الأعمال، سواء كانت أعمال صالحة فترفع الإنسان درجات، أو أعمال سيئة فتنزله درجات في الآخرة. فالدنيا دار امتحان واختبار وجني أعمال للآخرة، كاختبار المواد الدراسية فمن يجتهد ينجح ويتحصل على أعلى الدرجات ومن يخفق يخسر وتقل درجاته.
” أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد “.
الإنسان بطبيعته يريد الفوز بالحياة السعيدة والراحة النفسية والحرية والتحرر من أية قيود وضغوط في حياته، ولكن الله عز وجل قد يبتليه ويضيق عليه قهرًا وغصبًا عنه وخارجًا عن إرادته ورغباته ومطالبه. فالحياة لا تسير في غالب الأحيان كما نرسمها لأنفسنا لأنها دار ابتلاء.
إن الله عز وجل خلق الإنسان لعبادته وطاعته فيقول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [ الذاريات: 56]، فالعبادة هي أساس خلق البشر وجميع ما يصدر عن الإنسان، إما عبادة أو معصية والله عز وجل لم يعصم الإنسان عن الخطأ فهو إنسان خطاء بطبيعته، ولأجل ذلك فإن جميع أعماله تُسجل عليه في الدنيا ويحاسب عليها في الآخرة. يقول الله عز وجل ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [ الكهف: 49] . فالإنسان سيره الله عز وجل في بعض الأمور وخيره في بعضها فأعطاه العقل والحكمة وأمره بالإسلام والدين والعدل وما يتعلق بها من أحكام، فإن أخفق حاسبة عليها وإن نجح اجتاز اختبار الحياة وفاز بالجنة ولو كان الإنسان مسيرًا في جميع أمور حياته لما تحققت العدالة الإلهية فكيف يكون مسيرًا في جميع أمور حياته ويحاسبه الله عز وجل على شيء هو لم يختاره لنفسه في حياته بل الله عز وجل قدره عليه وهنا تكمن الرحمة الإلهية والعدل الإلهي.
فأعمالنا مرصودة ومسجلة من قبل الملائكة الكاتبين الذين لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها وكتبوها في صحيفة الأعمال. قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا﴾ [ الإسراء: 13].
فالحياة دار امتحان وابتلاء ومع الأسف الكثير من الناس قد يؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعلم بالواجبات والعقاب والحساب والجنة والنار، ولكنه يكابر ويتجبر ولا يلتزم بشيء منها.
قد يلجأ الإنسان بسبب ضغوط الحياة وكثرة المشاكل والترسبات والكبت والظروف السيئة لاتخاذ قرارات في حياته من وجهة نظره صحيحة وفي واقعها نهاية وضياع وتشتت لأسرة بأكملها تحت عنوان البحث عن الاستقلالية والحرية والراحة، وهذا العنوان المتداول في المجتمع خطير جدًا ونهايته مؤلمة وقاهرة لا يتمناها لا القريب ولا البعيد.
قال الله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖوَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗوَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [ البقرة: 268]. فالشيطان شاطر ووسوسته كثيرة ويختار الأوقات المناسبة لنشرها كالسم في البدن ونحن آذاننا تصغي إليه لأننا خطاؤون ومبتلون من الله عز وجل،
والكثير من الناس قد يقع في شباك الشياطين وينقاد إليهم، وبالأخص من يكون وازعه الديني ضعيفًا جدًا وغير مبالِ بالأحكام الشرعية. فجميع الناس تسعى لتحقيق السعادة والراحة والإحساس بالاكتفاء والنعيم والترفيه وغيرها من متطلبات الحياة، وهذا أمر طبيعي في الإنسان ومن حقة أن يعيش مرتاحًا في حياته بطولها وعرضها ويتمتع فيها ويتنعم بخيراتها وجمالها، ولكن ليس على حساب الآخرين وبالأخص أهل بيته والقريبين منه، فالله عز وجل يأمر بالعدل والمودة والرحمة بين الناس. وأحيانًا توجد مشاكل في المجتمع بسبب خلاف أو ظروف عائلية أو ضغوط مادية، وينتج بسببها بعض التقصير أو الخلافات أو المشاكل التي يستغلها الشيطان فيدخل من خلالها فيوسع نطاقها ودائرتها فتصبح مشكلة كبيرة خارجة عن السيطرة هدفها تفريق الحياة الاجتماعية وإنهاء العلاقة بالانفصال لا سمح الله، وهذا له عواقب وخيمة وآثار نفسية وجسدية على أفراد العائلة بالكامل. فلا يتصور الإنسان أن المشاكل سوف تنتهي من حياة البشر فهذا مُحال فهي بهارات الحياة الاجتماعية والزوجية، ولكن يجب السيطرة عليها بالحكمة الحسنة والعقل السليم بعيدًا عن التهور والعصبية والعناد، فالمشاكل الزائدة قد تفسد الحياة الاجتماعية كما يفسد البهار الزائد الطعام، والناقص لا يعطي له طعمًا، كذلك الحياة الاجتماعية والزوجية.
في الختام
لنتريث في اتخاذ القرارات ولا نتعجل ولنعطي فرصة للطرف الآخر للتغيير للأفضل، ونحاول إعطاء الثقة والمساحة وعدم التضييق في الحياة فمن المهم جدًا كسر الروتين والترفيه عن النفس ومحاولة خلق السعادة والابتسامة. ونصبر فإن الله مع الصابرين.
حتى في أسوأ الظروف والأحوال لا ننسى العشرة الطيبة والذكريات الجميلة التي كانت تربط أفراد المجتمع.
إن الإنسان ليس كاملًا وليس عادلًا ولا معصومًا عن الغلط والخطأ، وإن العدل والعدالة والكمال لله عز وجل ولا حدود لعدله ورحمته لأنها وسعت كل شيء.



