الزهراء (ع) ميزانُ رضا الله سبحانه وغضبه

زاهر العبدالله
حين نقرأ الحديث النبوي الشريف:
«إنّ الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها»،
ربما يتبادر إلى الذهن سؤال مشروع: كيف تُربَط إرادة الله برضا مخلوق؟ أليس في ذلك نوع من المبالغة؟
ولكنّ الجواب العميق، عقلًا ونقلًا، يكشف أنّ هذا الحديث ليس عاطفة نبوية تجاه ابنةٍ حبيبة، بل قاعدة إلهية تُعرّفنا بمقامٍ إلهيٍّ فريدٍ لإنسانٍ جعلها الله مرآةً لرضاه وسخطه.
أولًا : العقل قبل العاطفة
العقل يقول: لا يمكن أن يعلّق الله رضاه على بشرٍ يخطئ أو يغضب لهوى؛ لأن في ذلك نقصًا في الحكمة الإلهية.
فإذا ثبت بالنقل الصحيح أنّ الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها، فإنّ ذلك يعني أنّها معصومة، لا ترضى إلا بما يرضاه الله، ولا تغضب إلا لما يغضب الله.إذن فـالتعليق دليل العصمة، وليس دليل المبالغة.
ثانيًا : أصل القاعدة في القرآن
القرآن نفسه وضع الأساس لهذا الفهم حين قال:
﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: 80].
فالرسول لا ينطق عن الهوى، كما في قوله تعالى:
﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4].
إذن، إذا قال النبيّ الأعظم ﷺ:
«فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها»،
فإنّ فاطمة امتداد صادقٌ لرسول الله كما أنّ الرسول امتدادٌ للوحي الإلهي.
ثالثًا : حديث متواتر لا يحتمل التأويل
يقول ﷺ:
«فاطمة بضعة مني، من أغضبها فقد أغضبني».
والقرآن يقرّر أن من يؤذي النبيّ فقد آذى الله:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ…﴾ [الأحزاب: 57].
فإذا كان إغضاب الصديقة فاطمة(ع) = إغضاب النبي الأعظم (ص)، صار إغضابها موجبًا لسخط الله نفسه.
إنها معادلة عقائدية واضحة: فاطمة بوابة رضا الله وغضبه.
رابعًا : الاصطفاء والتطهير
الزهراء (ع) ليست “إضافة عائلية” في بيت النبوّة، بل ركنٌ أساس في أهل الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير:
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ…﴾ [الأحزاب: 33].
هذا التطهير الإلهي يعني أن رضاها خالٍ من الهوى، وغضبها خالٍ من العصبية.
فهي مظهرٌ نقيٌّ لإرادة الله في الأرض.
خامسًا : منطق العقل والنقل معًا
• بالنقل: الرسول ﷺ صرّح بأن رضاها رضا الله.
• بالعقل: لا يمكن أن يُعلّق الله رضاه على من قد يرضى بالباطل.
فالنتيجة: فاطمة لا ترضى إلا بالحق، وغضبها هو جرس إنذارٍ إلهي ضد الانحراف.
سادسًا : فاطمة مرآة الولاية الإلهية.
الولاية في الإسلام ليست سلطةً دنيوية، بل استمرارٌ لرسالة النبيّ.
والصديقة فاطمة الزهراء (ع) كانت أوضح صورةٍ قلبًا ولسانًا لرسول الله ﷺ، حتى قال فيها الإمام الباقر (ع):
«كانت كُنيتها أمَّ أبيها».
فهي أمّ أبيها حنانًا، وأمّ الأئمّة امتدادًا، ومِعيارُ الحقّ لمن أراد معرفة موقف الله في أيّ قضية.
سابعًا : سرّ العظمة
أن يرضى الله لرضا فاطمة، فهذا يعني أن إرادتها صارت مرآةً لإرادته، لا تفصلها عنه شهوة ولا ضعف بشري.
إنها ذروة التكريم الإلهي لإنسانٍ بلغ الكمال الروحي والعقلي، فاستحقت أن تكون مِعيار الرضا والسخط الإلهي في الأرض.
الخلاصة
• النقل: «فاطمة بضعة مني… يرضى الله لرضاها».
• العقل: تعليق الرضا الإلهي يستلزم العصمة.
• التاريخ: مواقفها كانت للحق لا للذات.
فمن أراد أن يقف في صفّ الله، فليقف حيث وقفت فاطمة الزهراء (ع).
ومن أغضبها فقد عرف موقعه من الله تعالى.
اللهم اجعلنا من الراضين المرضيين عند فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها.
المصادر :
(1) مجمع البيان – الطبرسي – ج2، ص11.
(2) إحقاق الحق وإزهاق الباطل – ج10، هامش ص16.
				
					
					



