أقلام

كوثر النور

السيد فاضل آل درويش

تسليط الضوء المعرفي التأملي على الشخصيات الفذة يستهدف استخلاص جوانب الرفعة والعظمة فيها من جانب، وتحويل منظومة الجمال المعرفي والأخلاقي فيها لنموذج أمثل يُقتدى به على مستوى حديثنا وعلاقاتنا وتعاملنا من جهة أخرى، فتبرز معالم التربية والاقتداء على سلوكياتنا من خلال محاكاة تلك المنظومة القيمية الواردة في السيرة العالية، وتعد السيدة فاطمة الزهراء (ع) من أبرز الشخصيات التي جسدت في حياتها أنموذجًا فريدًا من الإيمان والطهارة القلبية وكان ولا يزال مصدر إلهام، فكانت رمزًا للجمال الأخلاقي والفكري وجسرًا من البساطة في الحياة والرفعة والعلياء في مكانتها التي صنعتها بمواقفها، وتجسدت عظمة هذه الشخصية في كل تفاصيل حياتها لتصبح أنموذجًا يحتذى به في شتى ميادين الحياة الأخلاقية والاجتماعية والأسرية.

ولم يكن المقصود بسمة التواضع والزهد في شخصيتها وحياتها (ع) هو التخلّي عن مباهج الحياة وزينتها والتحوّل إلى حياة الرهبانية، بل هو درس بليغ يحمل سمات فكرية وسلوكية تبرز معنى الحياة الدنيوية والدور المناط بالإنسان بما يليق ويناسب كرامته ومكانته، كيف والفطرة السليمة للبشر تقوم على ازدواجية وتوأمة وتوافق بين الجانب الروحي وحاجاته والجانب المادي (الغرائز)، وهذا الانسجام بين جانبي الشخصية الإنسانية الرفيعة نلمسه في سيرتها (ع) الأسرية (البيت الفاطمي) الذي مارست فيه دور الأم لأبيها رسول الله (ص) ومع زوجها وأبنائها لتقدّم أعظم الدروس في قيادة البيت النوراني الذي يصدح منه ذكر الله تعالى وآيات السكينة والطمأنينة وحلاوة العبودية لله عز وجل.

لقد عاشت (ع) حياة بسيطة للغاية فترتدي ثيابًا من أقمشة بسيطة وتهتمّ بأعمال البيت وتتحمل المسؤولية الكاملة في رعاية أسرتها واختارت العيش بتواضع بعيدًا عن مظاهر البذخ والترف.

ودورها التبليغي مثال حي ومصدر إلهام واقتداء بما حملته من همة عالية وروح لا تعرف الملل أو الكلل، فاستطاعت بتجسيدها للقيم والأخلاق الدينية أن تؤثر فيمن حولها بصدق الكلمة ومصداقية المواقف، وإطلالة تأملية في ما ورد لنا من كلماتها والحكم الصادرة منها (ع) يعطينا شعاعًا من كوثر النور والكمال في جميع جوانب الحياة، ولسان حال السيرة الفاطمية هو تجلّي معاني ومضامين الرفعة والمكانة العالية للإنسان، بما يقطعه من سير وقرب من الخالق العظيم والورع عن محارمه وتذلل الخشوع عند الوقوف في محراب العبادة بين يديه؛ لينعكس بصورة التواضع الكبير في التعامل مع الآخرين بعيدًا عن الأنانية والتكبّر، لترسم لنا الصدّيقة (ع) معالم الجمال الأخلاقي في شخصية الإنسان بعيدًا عن التزيين الشيطاني النافخ في النفس روح الغرور، فكلما ازداد الإنسان ألقًا في علاقته بالله تعالى والالتزام بقيم كتابه المنزل ودينه الحنيف انبلجت منه أنوار الخُلُق الرفيع، إذ تُعد الزهراء (ع) أنموذجًا كاملًا من القيم الأخلاقية كالصبر والزهد والعلم ويظل ذكرها حيًّا في القلوب من خلال التمسك بقيمها وأخلاقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى