أقلام

رواية (من أنا حينما هجموا؟) لحسين الأمير تنسج خيوطًا للحب من حكايات الألم

هاني الحجي

رواية (من أنا حينما هجموا؟) للروائي حسين الأمير ترسم خارطة للألم الإنساني من خلال الهويات الفرعية والمكونات الاجتماعية داخل أوطانها، وعمومًا يتضح من عنوان الرواية (من أنا) سؤال استنكاري موجه للآخر حول تأكيد وترسيخ الهوية الجمعية من خلال الجملة الاستطرادية (حينما هجموا)، وهنا يطرح تساؤلًا عن أسباب ربط الكاتب في العنوان بين (من أنا) و(حينما هجموا) ليؤكد أن التساؤل ليس استفهامي بقدر ما هو استنكاري لتعطي الإجابة الموضوعية أن الذين هجموا لا يمثلون الآخر بهويتهم الثقافة أو الدينية أو التاريخية داخل الأوطان، ولكنهم يمثلون الشر والتطرف والعداء للحياة وللإنسانية مقابل (الأنا) التي يمثلها الحب والتسامح والخير والتعايش، والصراع في الرواية بين الأنا الخير والآخر الشر، وهو ما عبر عنه الكاتب في مقدمته.

“من أنا؟ كثير ما كان يأتيني هذا السؤال يزوروني على شكل طائر يحوم حولي، ويرسم دائرة فوق رأسي، يجعلني أسيرًا عنده، أنقاد إلى بحر سؤاله، ثم أعود الى أعماقي محو قلبي، منطلقًا منه إلى أخمص قدمي ثم معاكسُا باتجاه رأسي”.

يهدف “سؤال الأنا ” إلى استكشاف الهويات الجمعية وبحثها عن التعايش مع الآخر داخليًا وخارجيًا، وعن آلية تأقلمها وتفاعلاتها مع مجتمعها وأفكارها ومعتقداتها، وهو موضوع رئيس للرواية تناوله الكاتب من خلال تجسيد مواقف الشخصيات ونموها وتفاعل الأحداث فيها، وتناولت الرواية كيفية إدراك الشخصيات للسؤال في وعيها الفردي والجمعي وجعله الرابط الإنساني بين بطلي الرواية (إحسان ومايا) حيث كان الألم هو المشترك الإنساني الذي جمعهما ورباط الحب المقدس الذي قرب بينهما، عندما جمعت إحدى المناسبات الدينية (إحسان الشاب الأحسائي المسلم الذي تعرض لألم اليتم منذ طفولته ثم فقد أعز الناس إليه في أحداث( الدالوة والعنود) التي تختزنها ذاكرته بألمها وأوجاعها الإنسانية تجمعه الظروف بفتاة مسيحية عراقية في مخيم للبحث عن الأسرى والمفقودين أسسته (مايا) بعد معاناة فقدها لوالدها والبحث عنه في عدة مراحل عاشها العراق في الفترة الزمنية التي تناولتها الرواية، سواء في فترة حكم البعث، أو أسره من قبل القوات الأمريكية، ثم اختطافه من قبل بعض الجماعات المتطرفة.

رسم الكاتب من خلال شخصيات الرواية وأحداثها خارطة للألم الذي يتعرض له الإنسان بسبب أفكاره أو معتقداته أو التي تسوقها الأقدار من خلال الصراع لأجل تشكيل الهوية الفرعية داخل الهوية الرئيسة في المجتمعات، وأوجد خيطًا من الحب يجمع بين شخصيتين مختلفتين في المكان والهوية (إحسان المسلم ومايا المسيحية) في رحلة البحث عن الذات الفردية (الأنا) والذات الجمعية حينما تتعرض للهجوم، ولكن كان الألم الإنساني هو خيط الحب الذي جمع بينهما للانتصار لقضية الإنسان أينما كان.

هوية الأنا في الرواية

التفاعل مع الآخر:

يتم تعريف الذات (الأنا) في الرواية من خلال الالتقاء “بالآخر” ،ويكون ذلك بإيجاد المشتركات التي تجمعهما، كما هي علاقة (حسان مع مايا الغربية) وهي ابنة دكتور غربي درس عنده حسان فقدت زوجها الجندي مع القوات الأمريكية التي دخلت العراق وجمعهما حب الموسيقى، وهي لغة الحب المشتركة التي حاولا بها هزيمة الألم الذي قرب بينهما كضحايا للحروب والقتل والتطرف.

“أن يأتي من يشعرك بإنسانيتك، وبأهميتك، وبهدف حياتك، هذا يعني الكثير، نحن نعيش على هذا الكوكب، ونسير على طريق أشبه بالمرسوم منذ الولادة ….)

التأثير الاجتماعي والتاريخي:

تناولت الرواية الأحداث والمراحل التاريخية للعراق في فترات كانت (الهويات الفردية) تبحث عن هويتها الوطنية الجامعة في بلد تعرضت فيه الأقليات للقمع كعائلة مايا والطفلة اليزيدية التي تم اختطافها.

صورت الرواية تأثر الشخصيات “بالأنا” وتمسكها بهويتها الوطنية رغم كل الظروف التاريخية والاجتماعية المحيطة بها، مثل الثقافة، والسياسة، والتاريخ

” بغداد..يابغداد ، خائفة على أحبابي ياحبيبتي، أبي ، جيراني، بنات بلدتي الذاهبات إلى الكنيسة كل يوم أحد الذائبات بين صليبها وترتيلها”

البحث عن الذات:

تجلى ذلك في سعي بعض الشخصيات في الرواية إلى البحث عن هويتها الفردية تحت ركام الألم عندما يتم العثور على الأب الذي يمثل الهوية الجمعية للعراق ثم يتم اختطافه من جديد وتظل الأخت الكبرى للعائلة المسيحية نسرين) تبحث عن الأب المفقود الذي يمثل هوية العراق.).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى